الأحد، 29 أبريل 2012

المرجعية الفارسية بين تعظيم النار وتحقير من أطفأها! (ج 1)

علي الكاش* 

قال رسول الله "ص" "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه".

وقال المجلسي في البحار "..وإن كل لفظة شيطان في القرآن المراد بها عمر بن الخطاب"!!

تمهيد ضروري

ربما يعتبر البعض عنوان المبحث استفزازيا! لأنه يتعلق بدولة تجمعنا بها رابطة "الدين" والتأريخ المشترك رغم أنه دين يخالف جوهر الإسلام في الأصول والفروع، في العبادات والمعاملات وليس مذهبا كما سيتبين! وتأريخ أكثر سوادا من الفحم مبني على التآمر والغدر والفتن والطعن! وربما تثار حفيظة البعض فيتهمنا بالتكفير وإثارة نقاط جانبية لا نعنيها قطعا. فحديثنا يقتصر على التشيع الصفوي وليس التشيع العلوي؛ ورحم الله شاعرنا الرصافي إذ قال "إذا كان المقصود بالتشيع هو محبة آل البيت كما يوهمون العوام فإني لا أعقد أن عربيا يجري بعروقه الدم العربي لا يحب النبي وآله"! تلك هي الحقيقة فكلنا شيعة إذا كان مقياس التشيع هو حب آل البيت.

ولكن قبل أن تصدر حكمك أخي القارئ الفاضل أرجو أن تمضي معي خطوة بخطوة وتتحملني لغاية نهاية المبحث. لتحكم بعدها بنفسك على هذه المسألة وأنت حر في رأيك. وموقفك موضع احترامي حتى لو كان الاختلاف بيننا 180 درجة. فلا حق لنا بفرض آرائنا عليك، ولا حق لك بفرض آرائك علينا، وهذه قاعدة ثابتة في الجدل والمناظرة! فلكل منا قناعاته ومبرراته. وكما قيل بأن اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية، بل إن اختلاف الرأي يحيي الحقيقة وينضجها. فنحن لا نضع أفكارا ثابته أو مقدسة إنما هي رؤية موضوعية قد تصح أو تخطئ. وذات بعد نسبي وغير مطلق! وقد وجدنا أن إثارتها أفضل من السكوت عنها، لأن ذلك من شأنه أن يزيل اللبس عندي وغيري. ورحم الله امرأ نبه وأهدى إلي عيوبي.

لست بالطبع بصدد تكفير الشعب الإيراني، ومعاذ الله أن أجرأ أو غيري على ذلك. لكن هناك نوع من الرؤية المشوشة نتيجة المواقف الرسمية الإيرانية والمراجع الدينية -أي الحديث عن الدين الرسمي والمرجعي المتناغم مع سياسة الدولة- فهي تثير الشكوك والشبهات حول حقيقة اسلامهم وتشيعهم! وتضعنا في دوامة معقدة فيما إذا كان النظام الحاكم والمراجع الدينية، وهما أقوى سلطتان في البلد، لديهم فعلا توجهات إسلامية حقيقية أم شعوبية؟ وكيف يمكن تبرير الانحراف الخطير والسكوت المريب عن التوجهات المخالفة أو المشوهة للدين الإسلامي القويم والتشييع العربي النقي؟ أهي القناعة بالحضارة الفارسية والمعتقدات القديمة والتعصب لهما؟ أم هو التخلف الثقافي والتشويش المعرفي الذي يمارسه مراجع الدين بنفوذهم القوي والتسلطي؟ أم هي جبروت السلطة التي تقمع كل من يخالفها الرأي؟!..

بلا شك إن الأوضاع المزرية للأقليات القومية والأحزاب العلمانية الإيرانية المعارضة أبرز الدلائل على ذلك.. إن النيه الصادقه لسبر أغوار هذه التوجهات ومدى توافقها مع الرؤية الإسلامية العامة وإدراك درجة إنحرافها عنه ومناقشتها بصراحة تامة دون أي نوع من المهادنة والمجاملة تترتب على حساب الحقيقة هي الهدف من وراء هذا المبحث المتواضع.

بلا شك إيران دولة كبيرة ولها ثقلها في المنطقة ويفضل أن تكون علاقتنا بها مبنية على حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام السيادة والهوية الوطنية. ويمكن تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية معها على اساس المصالح المشتركة. ولكن ليس على أساس الدين أو المذهب. فقد أثبتت التجارب على مدى الحقب السابقة بأن الدين عامل تفريق وليس توفيقا بينها وبين الدول العربية. وليس السبب في الدين نفسه. معاذ الله! ولكن الاختلاف هو في الرؤية، فهي تنظر للإسلام من زاوية مختلفة كليا عن زاويتنا. 

فالمذهب عند الفرس الصفويين يسمو على الدين نفسه ويتجاوز فرائضه وأركانه ومبادئه إلى نواحي احيانا مناقضة لها! وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها. فالدين عندنا تسامح وتواضع وعندهم تعصب وغطرسة. عندنا فرائض ثابتة وعندهم فرائض مطاطية. الدين عندنا قناعة ورضا وعندهم أطماع وتوسع. الدين عندنا إلتزام ووفاء وعندهم تآمر وغدر. الدين عندنا جمع وإخاء وعندهم تفرقة وعداء. الدين عندنا القرآن والسنة وعندهم علماء ومراجع. الدين عندنا وسيلة وغاية وعندهم وسيلة فقط.

فشتان بيننا وبينهم! بيننا مفترق طرق وليس طريق واحد. وكلما توغلنا فيه بعدت بيننا المسافة كذراعي فرجال. وهذه حقيقة مريرة لكنها مثبته تأريخيا. ويكذب كل من يزعم بوجود مساعي للتقارب أو تقريب وجهات النظر! وإن وجدت فمصيرها الفشل المحقق لأن هذا الأمر يتناقض مع رغبتهم ومطامحهم المعلنة فما بالك بالمخفية؟ والحقيقة أن حوار الأديان يبدو لنا أسهل بكثير من حوار المذاهب كما سيتبين فيما بعد. سنحاول مناقشة المسألة من عدة جوانب ونبدأها بـ:

الموقف من الفتح الإسلامي لبلاد فارس!

من الأمور التي تثير الدهشة هو موقف النظام الفارسي والمراجع الدينية الصفوية من الفتح الإسلامي للبلاد والقضاء على المجوسية وهي الدين السابق للإسلام! فمن الأقوال الشائعة "من علمني حرفا صرت له عبدا" ورغم أن المعنى الحرفي للمثل لا يبدو منطقيا لأن التعليم هو ألف باء المعرفة والغرض منه التحرر وليس الاستعباد، فعندما تعلمني حرفا يفترض أنك ترخي القيد كمحاولة لرفعه بشكل نهائي وليس بإضافة قيد جديد تقيدني به. لكن لنأخذ بالمعنى المجازي فهو أسلم. 

من الطبيعي أن من يفتح لي باب المساعدة فأنه يتفضل لي بمعروف لا يمكن إغفاله أو تجاهله مطلقا. أما من يهديني إلى الحق فإنه كمن يمد يده لينقذني من الغرق، فيبعث الحياة مجددا في أوصالي فأكون مدينا له بحياتي. أما من يفتح لي باب السماء ويهديني إلى الصراط المستقيم فكأنه يفتح لي بيده باب الجنة ويقول لي تفضل ادخلها بسلام وأمان. 

قريش، ثم مكة والمدينة والحجاز والبصرة والكوفة والشام وبغداد والبحرين ومصر وبلاد فارس واسبانيا وحدود الصين وبقية أرجاء المعمورة وكل من يدين بالإسلام يفترض بأنه مدين للرسول الكريم والخلفاء والصحابة والأمراء والقادة المسلمين الأوائل وسلفهم الذين نشروا الإسلام في الأرض قاطبة. إنهم سفراء الرسالة السماوية والوسيلة الفاعلة لهداية البشرية، حيث أوصلوا لهم رسالة الإسلام وفتحوا لهم آفاقه الواسعة الرحبة. ويفترض بتلك الشعوب ان تعبر عن تقديرها وامتنانها لأولئك الأبطال الغر الميامين الذين تحدوا الجبابرة والطغاة لنصرة الإسلام وتحملوا المشاق والأهوال لكي يوصلوه لمشارق الأرض ومغاربها كما ورد في الذكر الحكيم "إذا جاء نصر الله والفتح، ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا، فسبح بحمد ربك واستغفره، إنه كان توابا". إنهم الأمجاد الصناديد الذين تتشرف بهم الأمم التي تكرمت بالفتح الإسلامي المبين.

من المؤكد أن الشعوب الوثنية التي لم تعتنق النصرانية واليهودية كالبوذية والكونفشيوسية والهندوسية والمجوسية والزرادشة والمانوية والشنتوية وغيرها من المجتمعات الجاهلية الغارقة في بحر السذاجة والكهانة وعبادة الأصنام والسحر والتعاويذ والجنس المبتذل" تكون أكثر امتنانا من غيرها للفاتحين الأوائل لأنهم أنقذوهم من ظلالهم ووثنيتهم ليعبدوا الله ويتشرفوا بدين الإسلام الحنيف. فالقرآن الكريم هو دين هداية ومثل عليا وقيم ومبادئ سامية لتنظيم علاقة الناس بالرب وعلاقة الناس بالناس. ومن هناك كان أثره العميق في الشعوب التي اعتنقته. في الوقت الذي كانت الزرداشتية تبيح زواج المحارم من الأم والأخت. والمانوية تبيح الرهبانية والزهد معتبرة البشر مصدر جميع الشرور وتخلص لحتمية انقراضهم للتخلص من الشر...

الخليفة الراشد عمر بن الخطاب "رض" هو الذي أطفأ نار المجوس في بلاد فارس. وأحدث نقلة نوعية في تأريخهم. غير بوصلة عقيدتهم من الظلمات والشرك إلى النور والتوحيد. ورغم أن الحضارة الفارسية من الحضارات القديمة والكبيرة لكنها كانت متخلفة في جانبها الديني.

إذن الخليفة الثاني هو صاحب الفضل الكبير في هدايتهم للإسلام، ويفترض بالفرس أن يعتبروه رمزا خالدا في تأريخهم الإسلامي ويحتفوا به خير إحتفاء، لكن الوقائع تشير إلى خلاف ذلك! فهم يقدسون قاتله! ويكفرونه ويلعنونه ويعادونه بطريقة لا يمكن أن يتصورها أو يتقبلها العقل سواء في تأريخهم الإسلامي القديم أو الحديث! فلماذا هذا التجني ونكران المعروف والإساءة المقصودة والتشويه المقزز؟ في حين أن الإمام علي "رض" والحسين "ع" لم يقدما لهم شيئا. ومع هذا فأن يقدسونهما أكثر من الرسول نفسه كما يظهر في كتبهم وطقوسهم؟ فكيف يفسر هذا التناقض؟ 
عمر ابن الخطاب "رض" بدلا من أن يحظى بلقب المحرر والفاتح والمنقذ والبطل أو الفاروق على أقل تقدير كلقب عرف به، فهو يسمى من قبل الفرس "الجبت والطاغوت" وقد ذكر الكليني والمجلسي والعياشي وغيرهم بأن مخالفي آل البيت من الصحابة والتابعين وسائر الأمة هم "الفحشاء والمنكر والبغي والخمر والميسر والأنصاب والأزلام والأصنام والأوثان والجبت والطاغوت والميتة والدم ولحم الخنزير"!!. 

اللقب المشهور الثاني للفاروق "صنم قريش" يشاطره فيه أبو بكر "رض"! وهناك أوصاف أخرى يستخدمها كبار كتاب الفرس مثل محمد بن يعقوب الكليني والمجلسي ونعمة الله الجزائري وأبي القاسم جعفر بن محمد بن قولويه والتبريزي والحائري وغيرهم يمكن مراجعتها في عدة كتب. وتسمية صنمي قريش تترد في دعاء مشهور نقتطف منه ما يأتي:

"بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم صل على محمد وآل محمد. اللهم إلعن صنمي قريش وطاغوتيهما وإفكيهما، وابنتيهما، اللذين خالفا أمرك، وأنكرا وحيك، وجحدا إنعامك، وعصيا رسولك وقلبا دينك، وحرفا كتابك، وأحبا أعداءك، وجحدا آلاءك، وعطلا أحكامك، وأبطلا فرائضك، وألحدا في آياتك، وعاديا أولياءك، وواليا أعداءك. وخربا بلادك، وأفسدا عبادك.. اللهم العنهما وأتباعهما.. وأولياءهما، وأشياعهما، ومحبيهما، فقد خربا بيت النبوة، وردما بابه، ونقضا سقفه، وألحقا سماءه بأرضه، وعاليه بسافله، وظاهره بباطنه، واستأصلا أهله، وأبادا أنصاره، وقتلا أطفاله، وأخليا منبره من وصيه ووارث علمه- يقصد الإمام علي- وجحدا إمامته، وأشركا بربهما فعظم ذنبهما، وخلدهما في سقر وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر"!..

يدعي المجلسي أن هذا الدعاء من غوامض الأسرار، وكرائم الإذكار، وكان أمير المؤمنين "ع" يواظب عليه في ليله ونهاره وأوقات سحره! فأي افتراء هذا؟!!

المصيبة أنهم لم يكتفوا بإهانة الشيخين الجليلين "رض" فحسب وإنما شملوا 90% من المسليمن في العالم بفشارهم ولعنهم الفاحش البذيء بقولهم "اللهم العنهم ومحبيهم ومواليهم والمسلمين لهم والمائلين إليهم. والناهقين باحتجاجهم والمقتدين بكلامهم والمصدقين بأحكامهم "تردد 4 مرات" اللهم عذبهم عذابا أليما، يستغيث منه أهل النار، آمين يا رب العالمين".

"ثواب" لعن الصحابة!!

جاء في "بصائر الدرجات وتفسير الصافي ومرآة الأنوار والبرهان وتفسير نور" بأن المراد بقوله تعالى "وكان الكافر على ربه ظهيراً" أي كان عمر "رض" على علي "رض" ظهيراً!! هكذا ينظر الفرس بحقد وكراهية لمن أنقذهم من الضلال وأرشدهم إلى طريق الهداية. ضاربين عرض الحائط بقوله تعالى "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم". وكذلك الحديث النبوي الشريف "لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً أو فضة ما بلغ مدّ أحدهم ولا نصيفه".! 

ذكر شيخهم المجلسي في كتابه "الاعتقادات" ومما "يعد من ضروريات دين الإمامية استحلال المتعة، وحج التمتع، والبراءة من أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية". ويزيد الخميني بثواب لعنهمم! أي أن الثواب ليس في العمل الصالح أو فعل الخير والإحسان وتأدية الفرائض والابتعاد عن ما يغضب الله، بل لعن الخلفاء والصحابة! فأي هراء هذا؟!

في بحار الأنوار يروي المجلسي أن "أبا عبد الله جعفر الصادق قال في قوله تعالى "وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ" بأن خطوات الشيطان والله ولاية فلان وفلان" ثم وضحها بعد ذلك بقوله "المراد بفلان وفلان أبو بكر وعمر"! ويشير صاحب بحار "الظلمات" إلى أن "كل لفظة "شيطان" في القرآن المراد بها عمر بن الخطاب". وذكر الكليني في كتابه روضة الكافي بأن "الشيخين أبو بكر وعمر فارقا الدنيا ولم يتوبا، فعليهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".

الخليفة والصهر المأبون!- معاذ الله-

لم تتوقف الإساءة عند هذا الحد! لنستمع إلى أدنى مراتب البذاءة والفحشاء والنذالة في وصف الفاروق من قبل كبار علمائهم. يذكر نعمة الله الجزائري في كتابه الظلمات النعمانية "بأن عمر بن الخطاب كان مصابا بداء في دبره لا يشفيه إلا ماء الرجال"! تصوروا!!! خليفة المسلمين مصاب بهذا الداء! فأي عار يلحق بالمسلمين الذين ارتضوا بهكذا خليفة! وكيف كان الإمام علي وبقية الصحابه يسمحون بإمامته للمسلمين ويصلون خلفه وينفذون أوامره؟ بل كيف يسمح الله تبارك اسمه بأن يتسلم راية الإسلام هكذا خليفة؟- حاشاه الله وانتقم من جميع المسيئين إليه ماتوا أو ما زالوا على قيد الحياة- حتى ألد أعداء الإسلام من بقية الديانات والوثنيين والملحدين لم يجرؤوا على الإساءة بمثل هذا المستوى الخسيس لأعدائهم! فما بالك بمن يدعي الإسلام والإسلام منه بريء؟!!

أما الشيخ المحدث ياسر الحبيب فيقول إن "أبو بكر وعمر أسوأ مخلوقات الله في هذا الكون. وأعدى أعداء الله"! وبلسان المأبونين- وربما بعضهن تعاف أنفسهن من هذا الهراءـ يضيف "لو لم يحرم عمر المتعة لما زنا مسلم". ولكن عمر حرم المتعه لسببين:ـ أولاًـ لأنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا علي لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا ابن زنا. فأراد عمر أن يُكثر أبناء الزنا عداوة منه لعلي بن أبي طالب!! فلذلك حرم المتعة. والسبب الثاني: إن عمر عندما يحرم المتعة. فإن الناس يتجهون الى اللواط وفي هذا منفعة شخصيه لعمر. لأنه كان يحب اللواط. أي أن يلاط به، وكان به داء في دبره، لا يُشفى إلا بماء الرجال"!! أليس هذا الخنزير البري أضل من أبي جهل وأبي لهب؟

الإمام علي يختار لابنته زوجا مأبونا!

لكن من هو عمر بن الخطاب ليناله كل هذا الحقد والقدح؟ إنه زوج أم كلثوم، وهي الأخت الحبيبة للحسن والحسين وأمها فاطمة رضوان الله عليهم جميعا. إذن كيف يهينون بكل صفاقة زوج أخت الحسين! ولو كان لدى عمر مثالب هل كان الإمام علي "رض" يزوجه من كريمته الغالية؟ وهل كان الحسن والحسين يوافقان على هذا الزواج أو استمراره؟ وكيف يصفون الخليفة الراشد بأنه مأبون يحب اللواط وهو زوج أم كلثوم التي جدها الرسول "ص"؟ أليس تلك إهانة بالغة للرسول والإمام علي وفاطمة والحسن والحسين لفشلهم في اختيار زوج صالح لأم كلثوم؟ وهذا يعني أنهم إما غير معصومين بسبب سوء الاختيار، وفيمن؟ في أقرب الناس إليهم! أو أنهم قبلوا بعيبه لأنه لا يعتبرونه عيبا!

هل يرضى أي من الناس ممن لهم ذرة من الشرف والغيرة بأن يزوج ابنته من مأبون إن لم يكن على شاكلته؟ فما بالك بالإمام علي؟ هل نسي الإمام بأن الله يريد أن يبعد عنهم الرجس أهل البيت ويطهرهم تطهيرا فإذا به يأتي بالرجس لعقر داره؟ هل كان يجهل تلك الصفة الذميمة عن عمر فزوجه إبنته؟ إن صح جهله فكيف نفسر الكلام المنسوب إليه "إن الإمام لا يخفى عليه كلام أحد من الناس ولا طير ولا بهيمة ولا شيء فيه الروح، فمن لم يكن هذه الخصال فيه فليس هو بإمام"؟ وإن علم وسكت بسبب الخوف من حرمانه السقاية فأي سلوك شائن هذا؟ وكيف يرتضية ويبرره الإمام المفترى عليه؟ وإذا اكتشف هذه الصفة الذميمة عند عمر بن الخطاب- حاشاه- قبل أن يزوجه من ابنته فرضي! فلماذا لم يطلقها منه ويحفظ ما تبقى له من شرف مهان؟

لقد أهانوا ليس الخليفة الفاروق فحسب! بل الإمام علي نفسه إهانة من المهد إلى اللحد. من جهة ثانية أليست الإساءة للفاروق هي إساءة للنبي "ص" نفسه الذي اختار لوطيا- اللهم غفرانك- ليرافقة في درب الجهاد والدعوة للإسلام؟ كيف يسأل النبي الأعظم ربه بأن يهدي إما أبا جهل أو عمر بن الخطاب للإسلام؟ فأهدى لله جل جلاله عمر وترك أبا جهل في ضلاله؟ كيف قبل المسلمون بأن يتولى الخلافة لوطي؟! ألا بئس ما تدعون يا معشر الفجار وأراذل الكفار.

التأريخ يشهد خلاف ذلك فالإمام علي "رض" كان يحترم الفاروق وكرمه بتزويجه كريمته اعتزازا به وليس خوفا منه كما يشيع البعض! وهل يخاف الإمام علي إلا من ربه عز وجل؟ ورد عن عبد الله بن سلمة قال: سمعت علياً يقول: "خير الناس بعد رسول الله، أبو بكر، وخير الناس بعد أبي بكر عمر". وروى البخاري: عن محمد بن الحنفية "ع" قال "قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله؟ قال: أبو بكر. قلت: ثم من؟ قال: عمر. وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: ما أنا إلا رجل من المسلمين". كما قال الإمام علي "رض" مترحما على الفاروق "ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك. وأيم الله. إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وحسبت كثيرا أسمع النبي يقول ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر".

هذا هو الإمام علي الحكيم الفيلسوف، وهذا هو منطقه السليم الرائع. وهذه هي شخصيته الحقيقية التي تشع كرما وحبا وتضحية وإيثارا وشموخا. فانظروا كيف شوه الصفويون صورته الرائعة!..
للحديث بقية بإذن الله.

______________
* كاتب ومفكر عراقي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق