الحمد لله، له أسلمت، وبه آمنت، وعليه توكلت، والصلاة والسلام على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد،،،
يقول الله تعالى: (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ * فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)، سورة التوبة الآيتان 128 - 129.
وذكر صاحب صفوة التفاسير:(لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ)، أي لقد جاءكم أيها القوم رسول عظيم القدر، من جنسكم عربي قرشي، يُبلغكم رسالة الله (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ) أي يشق عليه عنتكم وهو المشقة ولقاء المكروه (حَرِيصٌ عَلَيْكُم) أي حريص على هدايتكم (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) أي رءوف بالمؤمنين رحيم بالمذنبين، شديد الشفقة والرحمة عليهم، قال ابن عباس: سماه باسمين من أسمائه (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ) أي فإن أعرضوا عن الإيمان بك يا محمد فقل يكفيني ربي (لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ) أي لا معبود سواه (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) أي عليه اعتمدت فلا أرجو ولا أخاف أحداً غيره (وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) أي هو سبحانه رب العرش المحيط بكل شيء، لكونه أعظم الأشياء؛ الذي لا يعلم مقدار عظمته إلا الله تعالى)، “صفوة التفاسير للصابوني 1/569-570”.
حال الأمة قبل البعثة
لقد صور أمير الشعراء أحمد شوقي، رحمه الله، حال العالم قبل بعثته، صلى الله عليه وسلم، تصويراً صادقاً حكيماً، حيث كانت عبادة الأصنام منتشرة، كما كان الظلم واقعاً ملموساً بين النّاس، وتنشب الحروب على أتفه الأسباب، وفارس والروم كانتا تعيثان في الأرض فساداً، والناس كالحيتان في البحر يفتك أقواهم بأضعفهم، ذكر ذلك أمير الشعراء في قصيدته المشهورة “نهج البردة”.
وخلال تلك الظلمات التي سادت الإنسانية، جاءت بعثة النبي محمد، صلى الله عليه وسلم لإخراج الناس من الظلمات إلى النور ... من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، ومن ظلمات الجهل إلى نور العلم، ومن ظلمات القهر إلى نور العدل، فالرسول، عليه الصلاة والسلام، جاء رحمة للعالمين، وكما قال ربعي بن عامر: رضي الله عنه (إنّ الله قد ابتعثنا لنخرج الناس من عبادة العباد إلى عبادة ربِّ العباد، ومن جور الأديان إلى عدل وسماحة الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة).
محبة الرسول
من الآيات الدالة على وجوب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رحيمٌ)، “سورة آل عمران، الآية 31”، يقول العلامة ابن كثيررحمه الله: (هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي، والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله وأحواله، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: “من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد”، ولهذا قال: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ) أي يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه وهو محبته إياكم، وهو أعظم من الأول، كما قال بعض العلماء الحكماء: ليس الشأن أن تحب، إنما الشأن أن تحب، وقال الحسن البصري وغيره من السلف: زعم قوم أنهم يحبون الله، فابتلاهم الله بهذه الآية، فقال (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ)، “تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/477”.
حب الصحابة للرسول
لقد أحب الصحابة رضي الله عنهم أجمعين رسول الله صلى الله عليه وسلم حباً عظيماً، فهو أحب إليهم من كل شيء، فقد سئل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه كيف كان حبكم لرسول الله، صلى الله عليه وسلم؟، فقال: (والله إن رسول الله كان أحب إلينا من آبائنا وأمهاتنا وفلذات أكبادنا، وكان أحب إلينا من الماء البارد على الظمأ)، بل كان - صلى الله عليه وسلم أحب إليهم من أنفسهم كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: (يا رسول الله، لأنت أحبُّ إليَّ من كل شيء إلا نفسي، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: “لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحبَّ إليك من نفسك”، فقال له عمر: فإنه الآن، والله لأنتَ أحبُّ إليَّ من نفسي، فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: “الآن يا عمر”)، “أخرجه الشيخان”.
لقد انتشر هذا الحب بين صفوف المؤمنين وأصبح دينهم والعلامة الدالة عليهم، والصفة البارزة فيهم حتى شهد بذلك الحب زعيم مكة حينذاك أبو سفيان بن حرب - والفضل ما شهدت به الأعداء - وقال كلمته المشهورة: “والله ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد لمحمد” متى قالها ومتى نطق بها-، حينما جيء بزيد بن الدثنة أسيراً ليقتل، فقال له أبو سفيان: أناشدك الله يا زيد أتحب أن تعود معافى لأهلك وولدك، وأن يؤتى بمحمدٍ هنا في مكانك ليقتل، فغضب زيد أشد الغضب، وقال: (والله ما أحبّ أن أرجع سالماً لأهلي، وأن يشاك محمد بشوكة في أصبعه).
مع من أحب
لقد بشر القرآن الكريم المؤمنين الذين يطيعون الله ورسوله بالثواب العظيم، والنعيم المقيم، كما في قوله تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا)، “سورة النساء، الآية 69 - 70”.
(فقد ذكر الإمام ابن كثير في تفسيره سبب نزول الآية، عن ابن جرير عن سعيد بن جبير قال: جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو محزون، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم-: “يا فلان مالي أراك محزوناً؟”، فقال: يا نبيّ الله شيء فكرت فيه، فقال: ما هو؟ قال: نحن نغدو عليك ونروح ننظر إلى وجهك ونجالسك، وغداً ترفع مع النبيين فلا نصل إليك، فلم يرد النبي - صلى الله عليه وسلم - شيئاً، فأتاه جبريل بهذه الآية: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ}... الآية، فبعث النبي - صلى اله عليه وسلم- فبشره)، “تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/695”.
فالطاعة هي طريق النجاح والفوز برضى الله سبحانه وتعالى كما روى عن ربيعة بن كعب الأسلمي أنه قال: (كنت أبيت عند النبي، صلى الله عليه وسلم، فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: “سل”، فقلت: يا رسول الله أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: “أو غير ذلك؟ “قلت: هو ذاك، قال: “فأعني على نفسك بكثرة السجود”)، “أخرجه مسلم”.
الدكتور يوسف جمعة سلامة
خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق