الأحد، 20 مارس 2011

العلماء: التربية الإسلامية للشباب تعيد الأمن والتماسك للأمة

محمد عبدالخالق
يؤكد مفتي مصر الأسبق الدكتور نصر فريد واصل أن الإسلام دين أمن وسلام وتعاون، وأن تحقيق أمان العالم الإسلامي وسلامته واستعادة تضامنه ضرورة حتمية لمواجهة التحديات العديدة التي تفرضها المتغيرات المتسارعة. ودعا المسلمين إلى التعاون في القضاء على أسباب الخلافات في صفوفهم، والعمل الجاد لتحقيق الأمن الاجتماعي والوحدة والتكامل الاقتصادي.
تعاليم وأحكام سامية
وقال إن الإسلام جاء بتعاليم وأحكام سامية تكفل تنظيم العلاقات بما يحقق خير ومصلحة الجميع والمسلم وفقاً لمقتضيات عقيدته وشريعته مطالب بأن يعيش مع نفسه وغيره أمناً كاملا، وسلاماً تاماً، فالسلام اسم من أسماء الله عز وجل، كما أن السلام تحية المسلمين فيما بينهم في الدنيا، وبينهم وبين خالقهم، وهو تحية المسلمين عند ربهم يوم يلقونه فى الآخرة.

وأضاف أن الإسلام دين رحمة، وأمان، وسلام للجميع، والمسلمون مسؤولون عن إبراز هذه الحقائق من خلال سلوك صحيح رشيد واع يحقق أهداف الإسلام السامية، ورعايته لحقوق الجميع حتى مخالفيه في العقيدة، ومن يحسن الاطلاع على الإسلام في مصادره الصحيحة ويدرك سمو تعاليمه ونبل غاياته، وشرف مقاصده، فلن يلتفت أبدا إلى تلك الدعاوى المنافية للواقع ، والسلام واجب في الإسلام في العادات والعبادات، وبهذا يعيش المسلم دائما في سلام بالسلام مع الله، والسلام مع النفس والآخر فى الدنيا، وأمان العالم الإسلامي ضرورة حتمية فى كل عصر وفى هذا العصر بالذات، وهذا يتطلب من المسلمين الاعتصام بحبل الله تعالى عقيدة وشريعة، ومنع الخلاف والشقاق في القضايا العامة المشتركة، وتحقيق التكامل المالي والاقتصادي، وتنسيق المواقف العلمية والدينية، والتمسك بتعاليم الإسلام في جميع المجالات بما يضمن إقامة مجتمع متماسك قوي، لا تفكك فيه ولا ضعف ولا تنازع، فتلك أمور يأباها الإسلام وينهي اتباعه عن أي سلوك يجرهم إليها، والمسلم الحق يلتزم بأحكام دينه، ولا يجاوزها، ومن تلك الأحكام الاعتصام بحبل الله وعدم التفرق، قال تعالى «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون»، وقال عز وجل أيضا: «يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا».
وقال الدكتور واصل إن أمتنا الإسلامية مدعوة إلى المسارعة لتحقيق وحدتها وإنهاء خلافاتها واحتواء نزاعاتها للخروج من آلامها التي تعيشها حاليا، وعلينا أن ندرك حقيقة أن أعداء الإسلام والمسلمين هم المستفيدون من خلافات المسلمين، لأن تلك الخلافات تضعف أمتنا وتلهيها عن التفرغ للدفاع عن قضاياها الكبرى والمصيرية.
ينابيع الرحمة
ويقول الدكتور أحمد عمر هاشم ـ رئيس جامعة الأزهر الأسبق ـ أن نضوب معين الرحمة بين الناس في هذه الأيام مرجعه إلى انشغالهم بالدنيا، والانسان إذا انشغل بالدنيا شغلته، وينابيع الرحمة التي تتفجر في قلوب العباد، هي ثمرة الايمان والتقوى والصلة بالله سبحانه وتعالى وتطبيق تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو الذي بعثه الله رحمة للعالمين، فكلما انشغل الناس بدنياهم وابتعدوا عن هذه التعاليم، جفت في نفوسهم وقلوبهم ينابيع الرحمة.
ويضيف: لو نظرنا مثلا إلى الرحمة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، نرى أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يسمح بأن يضرب الكبير الصغير، أو يقسو المالك على المستأجر، أو السيد على غلامه وعبده، فيرى مثلا موقفا لأبي مسعود البدري، ومعني البدري أنه شاهد غزوة بدر يضرب غلاما له، فيقول له: إعلم أبا مسعود - ثلاثا - إن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام. يقول أبو مسعود: فلما رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم، قلت: يارسول الله أما أنه حر لوجه الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما إنك لو لم تفعل للفحتك النار».
وهذا نموذج بسيط لانسان يضرب غلاما له ، وهو مثال لكل ذي سلطان وذي قوة وذي مال وذي جاه يريد أن يتسلط على من هو دونه، فالرسول صلى الله عليه وسلم اراد أن يرسي مبدأ الرحمة في قلوب الكبار والاقوياء حتى ينظروا إلى الطبقات التي هي أقل منهم نظرة شفقة ورحمة، والرحمة ليست فقط في أن يكون الانسان رفيقا بمن هم دونه، وإنما تتجلى ايضا في تعامل الناس مع بعضهم.
دين الحب والسلام
ويقول الدكتور مصطفى مراد -الأستاذ بكلية الدعوة جامعة الأزهر-: الإسلام دين الحب والسلام والرحمة والإخاء والألفة‏، وديننا لا يعرف العنف وقسوة القلب واستباحة الدماء بغير حق، بل إنه يحرم مجرد الإشارة بالسلاح، أو إيذاء الآمنين بأي لون من الإيذاء، لأن الإسلام دين السلام مع سائر المخلوقات، فتحيته سلام، والله اسمه السلام، ودينه الإسلام، ومنهجه تحقيق أمن الناس وسلامتهم في العاجل والآجل‏، قال تعالي‏:»ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا‏»،‏ لكن بعض الناس والشباب منهم خاصة تغيب عنه هذه الحقائق أو يتغيب عنها فيعامل الناس بعنف ويقابل الخلق بشدة ويشهر سلاحه في وجه من يخالفه الرأي وقد قال تعالى‏: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين».
أسباب الفتنة
ويقول الدكتور رأفت عثمان ـ عضو مجمع البحوث الإسلامية ـ: من أهم الأسباب التي تؤدي إلى الفتنة بين المجتمع الجهل بحقيقة الدين الإسلامي‏، فالفراغ الديني لدى كثير من الشباب أعطى الفرصة لمثل هذه الأفكار الهدامة لشغل هذا الفراغ، وتقصير العلماء في القيام بواجب النصح والإرشاد أفسح المجال لهؤلاء الجهال بأن يفتوا في دين الله عز وجل بغير علم، وإذا ساد وانتشر الجهل بين الناس ارتكبت المحرمات وانتهكت الحرمات وانحلت الأخلاق وأزهقت الأرواح البريئة لأن الجاهل يتجرأ على الله عز وجل ولا يبالي بما يفعل‏، فلا خوف من الله يردعه ولا حياء من الناس يمنعه‏.‏ وأوضح أن من أسباب تفشي الجهل أن يطلب العلم من غير أهله فيطلب العلم من جاهل لا يعرف عن دين الله إلا القشور البسيطة فيفتي بغير علم فيحل الحرام ويحرم الحلال وربما أفتى بالاعتداء على الآخرين أو انتهاك حرماتهم‏.‏
وطالب بمحاربة الجهل وبناء الإنسان بالعلم عن طريق إقامة المؤتمرات والمنتديات العلمية في المدارس ودور العبادة وداخل أماكن العمل حتى يتعلم الناس ويعودوا إلى رشدهم‏ ، فالإنسان العالم بدينه وبهدي نبيه صلى الله عليه وسلم هو الذي يتسع أفقه للآخرين ويقوم الأعوج ويصلح الفاسد ويقاوم الشر ويحارب الفتنة والتطرف‏.‏
قبول الآخر
وناشد العلماء أن يتحملوا المسؤولية في محاربة الفتن‏، وحماية المجتمع الإسلامي من هذا الخطر الذي يهدد الأمة بأكملها‏، فدور العلماء يعد محوريا في تصحيح المفاهيم الخاطئة لدى الشباب والأخذ بأيديهم إلى بر الأمان حتى نحميهم من أنفسهم‏. وطالب العلماء بأن يتعاملوا مع الشباب بفكر خلاق ينبع من أصالة الإسلام في بناء الشخصية وتربية وجدان المسلم على الانتماء لحب الدين والوطن والأمة وقبول الآخر والقسط في التعامل معه وإفهام الشباب الذين هم طاقة الأمة ومشروعها الحضاري في الحاضر والمستقبل أن الإسلام رسالة للتعايش وقبول الآخر والتعاون معه لما فيه الخير‏.‏
كما طالب العلماء بإبراز حق الأمن النفسي والوجداني والحياتي بالمجتمع الإسلامي مؤكدا أن هذا هو مضمون رسالة الإيمان التي جاء بها الإسلام‏،‏ وأضاف: حماية النفس مقصد من مقاصد الشريعة بما يعني الحفظ الشامل الذي يحرم كل أنواع الاعتداء المادي والمعنوي على النفس الإنسانية ويشمل ذلك ترويع الأمنين أو مجرد التفكير في الاعتداء عليهم ومن باب أولى قتل نفس بريئة في موضع أمانها‏، بل ان المسلم مطالب بتحقيق الأمان حتى للمشرك كما ورد في قوله تعالى‏: «وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله‏»،‏ فهذا يدل على أن الأمان لكل إنسان حتى ولو كان ملحدا، ومن يعيش في داخل الوطن أولى وأجدر بتوفير الأمان لنفسه ولماله ولأهله وذويه.‏
تماسك الأسرة والمجتمع
يرى الدكتور مبروك عطية ـ الأستاذ بجامعة الأزهر ـ أن هناك العديد من المتغيرات التي طرأت على المجتمع الاسلامي نتيجة لعوامل عديدة من أهمها تراجع دور الأسرة والمؤسسات التربوية والتفكك الأسري والمجتمعي وغياب الآباء عن المنزل وهذا يؤدي الى قيام بعض الشباب بأعمال تخريبية تضر بالوطن وتثير الفتنة إضافة إلى افتقاد الشباب القدوة الصالحة داخل وخارج الأسرة الأمر الذي يجعلهم يلجأون إلى الاقتداء بقدوات سيئة في الانحلال الأخلاقي والسلوكي أو التشدد والتطرف‏.‏
وأوضح أنه لا يمكن حماية أبنائنا من خطر العنف والفوضى إلا بعودة الترابط والتماسك بين أفراد الأسرة وأفراد المجتمع والسبيل لذلك عودة الآباء لتريبة الأبناء تربية إيمانية صحيحة‏، كما طالب الآباء بأن يهيئوا مناخا داخل المنزل يغذي الشاب إيمانيا وروحيا وأيضا يكون فيه استقرار وطمأنينة.

الغزالي فارس المنبر وأديب الدعوة

أخرج الإمام البخاري في صحيحه عن عبدالله بن عمرو بن العاص- رضي الله عنهما- قال: (سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول ( إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالماً اتخذ الناس رؤوساً جُهَّالاً، فسئلوا، فأفتوا بغير علمٍ، فضلوا وأضلوا) (أخرجه البخاري)، هذا الحديث حديث صحيح أخرجه الإمام البخاري في صحيحه في كتاب العلم باب كيف يُقبض العلم خمسة عشر عاماً مرت على وفاة العالم العامل والداعية المجاهد فضيلة الشيخ/ محمد الغزالي رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته .
ومن المعلوم أن المرحوم الشيخ محمد الغزالي أحمد السقا ولد في 5 ذي الحجة سنة 1335هـجرية، الموافق 22 من سبتمبر 1917 ميلادية، في قرية «نكلا العنب» التابعة لمحافظة البحيرة بمصر، وسمّاه والده بـمحمد الغزالي تيمنًا بالعالم الكبير أبو حامد الغزالي المتوفي في جمادى الآخرة 505 هـ .
ونشأ في أسرة كريمة مؤمنة، وأتم حفظ القرآن الكريم بكتّاب القرية في العاشرة، ويقول الإمام محمد الغزالي عن نفسه وقتئذ: (كنت أتدرب على إجادة الحفظ بالتلاوة في غدوي ورواحي، وأختم القرآن في تتابع صلواتي، وقبل نومي، وفي وحدتي، وأذكر أنني ختمته أثناء اعتقالي، فقد كان القرآن مؤنسا في تلك الوحدة الموحشة)، والتحق بعد ذلك بمعهد الإسكندرية الديني الإبتدائي وظل بالمعهد حتى حصل منه على شهادة الكفاءة ثم الشهادة الثانوية الأزهرية، ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة سنة (1356هـ الموافق 1937م) والتحق بكلية أصول الدين بالأزهر الشريف حتى تخرّج بعد أربع سنوات في سنة (1360هـ - 1941م) وتخصص بعدها في الدعوة والإرشاد حتى حصل على درجة العالمية سنة (1362هـ - 1943م) وعمره ست وعشرون سنة وبدأت بعدها رحلته في الدعوة من خلال مساجد القاهرة. وقد تلقى الشيخ العلم عن الشيخ عبد العظيم الزرقاني، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد أبو زهرة والدكتور محمد يوسف موسى وغيرهم من علماء الأزهر الشريف.

لقد عمل شيخنا الجليل أستاذاً في الأزهر الشريف بجمهورية مصر العربية ، وفي الجامعات السعودية، وفي دولة قطر، وفي الجمهورية الجزائرية، وطاف بلاداً عديدة داعياً إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
لقد رفع الإسلام مكانة العلماء عالية خفاقة {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} (سورة الزمر الآية 9)، كما وجاءت الأحاديث النبوية الشريفة تبين ذلك، حيث يقول- صلى الله عليه وسلم- (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يصنع، وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء ، وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر ) (أخرجه أبو داود والترمذي) .
ويقول- صلى الله عليه وسلم- أيضاً ( إن مثل العلماء في الأرض كمثل النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر ، فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة ) (أخرجه أحمد) .
كما وبين- صلى الله عليه وسلم- أن علمهم يبقى صدقة جارية إلى يوم القيامة كما ورد في الحديث الشريف (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح 
يدعو له ) (أخرجه مسلم)، وهذا من علامات الساعة التي أخبر عنها النبي- صلى الله عليه وسلم - بقوله ( إن من أشراط الساعة أن يُرفع العلم ويكثر الجهل ) (أخرجه البخاري).
ولهذا حذر النبي- صلى الله عليه وسلم- من وقوع الأمة في هذه الآفة المهلكة، فكان مما أوصى به أصحابه الكرام في حجة الوداع الحرص على طلب العلم قبل أن يرفع، لما ورد عن أبي أمامة- رضي الله عنه- قال: لما كان في حجة الوداع قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: (خذوا العلم قبل أن يُقبض أو يرفع، فقال أعرابي : كيف يرفع ؟ فقال: ألا إن ذهاب العلم ذهاب حملته - ثلاث مرات ) (أخرجه أحمد والطبراني) .
إن موت العلماء مصيبة كبيرة ، حتى قال بعضهم : لموت قبيلة أيسر عند الله من موت عالم!! وقال آخر : إذا مات العالم ثلمت في الإسلام ثلمة لا يسدها إلا عالم غيره ، ومن أشد الأخطار على الأمة أن يموت العلماء ، فيخلفهم الجهلاء، الذي فرغت رؤوسهم من العلم، وقلوبهم من التقوى، فيفتون الناس بغير علم، فيضلون ويضلون!! وكان عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- يقول: ( عليكم بالعلم قبل أن يرفع، ورفعه موت رواته) (روضة العقلاء- للإمام ابن حبان ص37)،
وعن الحسن البصري رحمه الله أنه قال (كانوا يقولون : موت العالم ثلمة في الإسلام، لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار) (أخرجه الدارمي). ولا شك أن موت العالم خسارة جسيمة تحلُّ بالأمة، ولا يتم تعويضها إلا بحرص الشباب على طلب العلم، والأخذ عن العلماء الصالحين، واغتنام وجودهم قبل موتهم، وتفريغ نخبة من شباب الأمة لتحمل أمانة العلم الشرعي والتخصص فيه بصدق وإخلاص
وهذا ما نبه عليه الحديث الصحيح الذي قاله نبينا- صلى الله عليه وسلم- (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم « وفي رواية لم يبق عالماً « اتخذ الناس رؤوسا ًجهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا) (أخرجه الشيخان) .
هذه نظرة الإسلام إلى العلماء الذين يرشدون الناس إلى الخير والهدى، ويبينون لهم أحكام دينهم الإسلامي الحنيف .
لقد كان شيخنا- رحمه الله متفائلاً بأن المستقبل لديننا الإسلامي حيث قال في إحدى محاضراته: (إن المستقبل مكفول للأمة الإسلامية ، لكن عندما ترث الأرض فتصلحها، إنما أن ترث الأرض بعقلها الحالي فلا تحسن إصلاح شيء فيها، بل خبالا، لا لن تعطي لنا الأرض بل سيحاسبنا الله تبارك وتعالى على هذا التخلف العقلي والخلقي والتربوي والاجتماعي والعلمي الذي تعيشه الأمة الإسلامية .
لكنني مع هذا لا أيأس قط من عودة الإسلام وانتصار مبادئه في العالم مرة أخرى، وقد قرأت حديثا نبوياً يقول فيه : (ليبلغن هذا الأمر «يعني أمر الإسلام» ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر، إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزاً يعز الله به الإسلام، وذلاً يذل الله به الكفر) (أخرجه أحمد)، وقد جاء هذا الحديث مصداقاً لقوله تعالى: «هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» (سورة الصف الآية 9)، فرغم هذا الحاضر المرعب الذي يعيشه العالم الإسلامي إلا أنني لا أياس قط من هذا الواقع ومن عودة الإسلام مرة أخرى للعالم كله).
لقد ترك شيخنا- رحمه الله- تراثاً ضخما يتمثل في عشرات الكتب في العقيدة والتفسير والفقه والفكر، والأدب والتاريخ، والتربية والإصلاح ، كما ويتمثل في مئات أو آلاف المقالات التي نشرها، كما و ترك الشيخ-رحمه الله- مئات الأشرطة من دروس ومحاضرات، وفتاوى، رحمه الله رحمة واسعة ، وغفر له ، وتقبله في 
عباده الصالحين .
ومن المعلوم أن فضيلة أستاذنا الشيخ/ محمد الغزالي- رحمه الله- قد انتقل إلى رحمته تعالى في الرياض بالمملكة العربية السعودية يوم السبت الموافق 9/3/1996م أثناء حضوره مهرجان الجنادرية الثقافي، ليشارك في ندوة عن ( الإسلام والغرب)، وخرجت أنفاس الشيخ- رحمه الله- وهو يدافع عن الإسلام ويذود عن حماه ، وقد شرفه الله سبحانه وتعالى بأن دفن بالقرب من مثوى رسول الله- عليه الصلاة والسلام- ومسجده الشريف ، بمدافن البقيع بالمدينة المنورة، التي ألف فيها كتابه القيم ( فقه السيرة ) ودمعه يختلط بالمداد تأثراً وحباً للرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم-، وقبره- رحمه الله- في موضع متميز ، قريب جداً من قبر الإمام مالك، وقبر الإمام نافع أحد القراء السبعة، رضي الله عنهم جميعاً.
نسأل الله الكريم أن يكرم نزلهم، وأن يعوضنا عنهم وعن غيرهم من العلماء العاملين خير العوض، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم، اللهم أمطرهم وابل رحمتك ورضوانك، وأنزل السكينة في قلوبنا حتى نبصر المعالم فلا نتعثر، وهبنا من فضلك وعنايتك حتى تقوى سواعدنا على حمل الأمانة، وارزقنا اخلاصاً في العمل ، وصبراً على وعورة الطريق ، واجعلنا في مرضاتك على كل حال.
الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة
خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك

«شرعة ومنهاج» دستور الحرية والعدالة


أحمد محمد
«الشرعة والمنهاج» اسم أو أسماء للقرآن الكريم ويستدل العلماء على ذلك من خلال قوله تعالى «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما أتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون» - المائدة 48 وقوله عز وجل: «ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون» - الجاثية 18.
يقوله الله سبحانه وتعالى: «شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب» -الشورى 13.
وجاء في التفاسير حول معاني هذه الآيات الكريمات: ان الله سبحانه أنزل القرآن الكتاب الكامل ملازما الحق في كل أحكامه وأنبائه، موافقا ومصدقا لما سبقه من الكتب، وشاهدا عليها بالصحة، ورقيبا عليها بسبب حفظه من التغيير، فاحكم ـ أيها النبي ـ بين أهل الكتاب إذا تحاكموا إليك بما انزل الله عليك، ولا تتبع في حكمك شهواتهم ورغباتهم فتنحرف عما جاء من الحق، فيا أيها الناس، لقد جعلنا لكل منكم منهاجا لبيان الحق وطريقا واضحا في الدين يمشي عليه، ولو شاء الله لجعلكم جماعة متفقة ذات مشارب واحدة، لا تختلف في منهاج إرشادها بجميع العصور، ولكنه جعلكم هكذا ليختبركم فيما أتاكم من الشرائع ليتبين المطيع والعاصي، فانتهزوا الفرص، وسارعوا إلى عمل الخيرات فإن رجوعكم جميعا سيكون إلى الله وحده فيخبركم بحقيقة ما كنتم تختلفون فيه ويجازي كلا منكم بعمله.
منهاج واضح
ولقد جعلناك يا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد اختلاف أهل الكتاب مبعوثاً على منهاج واضح من أمر الدين الذي شرعناه ولمن قبلك من رسلنا فاتبع شريعتك الحقة الثابتة بالحجج والدلائل، ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون طريق الحق، فهذا القرآن دلائل تبصر الناس بالدين الحق، وهدى يرشدهم إلى مسالك الخير ونعمة لقوم يستبقون بثواب الله وعقابه.
وقد شرع الله لكم من العقائد ما عهد به إلى نوح والذي أوحيناه إليك، وما عهدنا به إلى إبراهيم وموسى وعيسى أن ثبتوا دعائم الدين ولا تختلفوا في شأنه، وما اختلف أتباع الرسل السابقون في الدين إلا من بعد ما جاءهم العلم بحقيقته في رسالتك.
وتخاطب الآيات الأمة بأن الله سبحانه جعل لها القرآن شرعة ومنهاجا وسبيلا إلى الرشاد، وهو كتابها والأصل والمرجع والإمام، فيه الأمر بالعمل والاعتقاد، فهو الدين الخالص الميسر كمعين الماء لا ينقطع ومرجع للشريعة يحتوي على مصادرها، والمقصود بالشرعة هو القرآن الكريم.
وقال الإمام الطبري: المنهاج هو القرآن الكريم، والمنهاج هو الطريق البين الواضح لكل واحد من الأمة والدين يشمل كل منهج، والقرآن منهج وشريعة نسخت كل ما قبلها جاء شرعة يضع ما يكفل الحرية والعدالة للناس على اختلاف أجناسهم وعقائدهم وألوانهم ومنظما لأسس الحكومة الصحيحة للأمم بكل ما في الكلمة من معان، جاء حكيما لا ينطق إلا بالكلمة وفصل الخطاب مبينا الأسباب، هو قاعدة الإسلام، وقطب الأحكام، وآية الرسالة ودليل صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، جاء منارا لذوي العقول يبين لهم الغرض من الحياة وكيف يكون السير فيها والسلوك، مشكاة لنور الله ليضيء سيل المتقين وتسطع شمس هدايته للمؤمنين ملجأ للضالين التائهين، داعيا للأخوة والمساواة والتعاون بين البشر يبث فيهم روح الاجتماع ويحضهم على مكارم الأخلاق ويرشدهم إلى أقوم السبل في المعاملات.
دستور خالد
ويقول الدكتور محمد داود -عميد معهد معلمي القرآن الكريم بالقاهرة- ان القرآن الكريم معجز في أحكامه التشريعية وفيه تشريع أصيل وأحكام مهمة وضرورية لمصالح الناس، يرجع إليه علماء الشرائع والقانون، وفيه القوانين المتكاملة ويتناول الحقوق المدنية والأحوال الشخصية والأسرية ويرسم العلاقات الدولية ويضع نظام السلم والحرب ويوزع التركات والمواريث.
وقد أنزل الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم وهو كلامه النهائي للبشر، وحيا على رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو كتاب المسلمين ودستورهم الخالد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ففيه الأحكام والشرائع والآداب والمعاملات وتفصيل الحلال والحرام، وبيان المغيبات من الأخبار والقصص، وبه من المواعظ وضرب الأمثال ما فيه مزدجر، كما أن فيه إخباراً بالبعث وبالحساب وبيانا لليوم الآخر.
ويقرر القرآن الكريم قيم الحق والعدل والإصلاح والمثل والفضائل في المجتمع المسلم، ويدفع الباطل والفساد والظلم وكل أنواع الرذائل، ويقدم المجتمع المنشود الذي تقيمه هذه الأمة التي هي الأسوة والقدوة في اتجاهاتها السياسية والاقتصادية والإنسانية لبقية الشعوب، فشرائعه للحياة الدنيا والآخرة.
قوام صلاح العالم
وتؤكد نصوص القرآن العظيم أن العدل هو أساس الأحكام وميزان التشريع وقسطاسه المستقيم والمساواة بين الناس، فقوام صلاح العالم في الإيمان بالكتاب الذي يحرم الظلم وسائر المفاسد، ويعدل في الأحكام، ويردع الناس من الظلم وتهدف أحكامه الشرعية كلها إلى مراعاة الفضائل وما فيها من الحق والعدل والصدق والأمانة والوفاء بالعهود والعقود والرحمة والمحبة والمواساة والبر والإحسان واجتناب الرذائل من الظلم والغدر ونقض العهود، والعقود والكذب والغش والخداع وأكل أموال الناس بالباطل، ووضع الحدود والعقوبات على كل جرم ويحرم القتل والزنا والسرقة والفساد في الأرض.
وجاء القرآن مشرقا بنوره ليمحو كل ظلام، ويصلح ما أفسدته الأمم، وليبطل ظلم الرقيق ويضع الأحكام الممهدة لزوال الرق الذي كان عاما في البشر، بما شرعه وفصله بحكمة بالغة جامعة للمصلحة العامة والرحمة ومنع ما كان عليه الناس من استرقاق الأقوياء للضعفاء، ودفع المفاسد ومنع الاعتداء لان الحرية في الإسلام هي الأصل في الإنسان.
أسلوب معجز للبشر
من مقاصد القرآن الكريم إصلاح البشر وإدخالهم في طور الرشد وتحقيق أخوتهم الإنسانية ووحدتهم وترقية عقولهم وتزكية أنفسهم، وهو كتاب تربية عملية وتعليم في نفس الوقت، يؤثر في الطباع ويغير الأوضاع بأسلوبه البديع وتأثيره الروحي، ونظمه وجاذبيته فأحدث ثورة كبرى في نفوس العرب، لما أراده من الإصلاح العام للبشر بكونهم كانوا أقرب الأمم إلى سلامة الفطرة وأرقاهم لغة في التعبير والتأثير.
فقد نزل هذا القرآن من عند الله بتشريعاته وأحكامه وآدابه وما يحويه من عبر وأخبار غيب سابقة وحاضرة وآتية بأسلوب معجز للبشر، مشتملاً على جميع ما يحتاج إليه البشر من الإصلاح الديني والاجتماعي والسياسي والمالي والحربي.

من صور الأمانة المهنية في الإسلام

أراد الإسلام أن يؤسس مجتمعا له التفرد والتميز في كيانه وذاته، فكانت دعوته الحافزة إلى تخير الكفاءات النابهة التي ترى خالقها وباريها عند جليل الأعمال وحقيرها فينبت ذلك في نفسها لأمانة شجرة وارفة الظلال غضة الثمار تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها. والإسلام عندما أراد ذلك نظر إلى الأمانة ككيان تؤسس المهن من خلاله في كافة الفروع وشتى المجالات ومن ثم كانت الأمانة في:

- المناصب الإدارية: وهنا نؤكد على أن مما يؤذن بزوال المؤسسات وتصدع أركانها توسيد الأمر إلى غير أهله فيها، وتفشي الرشوة والمحسوبية في تعاملاتها، فتغيب على إثر ذلك الكفاءات المتميزة عن ساحتها، ويطفو الغثاء على سطحها، لذا أكد الإسلام على الأمانة في تولي المناصب والوظائف والمهن. ففي الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله ألا تستعملني؟قال:فضرب بيده على منكبي ثم قال:يا أبا ذر إنك ضعيف،وإنها لأمانة. وإنها يوم القيامة خزي وندامة،إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها».

ولذلك قيل «إن الكفاية العلمية ليست لازمة لصلاح النفس، فقد يكون الرجل رضى السيرة، حسن الإيمان، ولكنه لايحمل من المؤهلات المنشودة ما يجعله منتجاً في وظيفة معينة «ألم يأتك نبأ عن الصديق يوسف عليه السلام وكيف أنه لم يرشح نفسه للمنصب الإداري لنبوته وتقواه فحسب، وإنما دل على نفسه من خلال مؤهلات تجعله كفؤا لحيازة منصبه،وذلك من خلال أمانته وعلمه فقال: «قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ «يوسف (55). وهذا يدل على أن من مقتضيات الأمانة أن نصطفي للأعمال أحسن الناس قياماً بها يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الحاكم وغيره» من استعمل رجلاً على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين». ومن الأمانة في المناصب أن لا يطلب الوظيفة من ليس كفؤا لها فمن سمات المجتمع الإسلامي الصالح أن يتخير الأصلح من أهل الخبرة والدراية والكفاية للمهنة والوظيفة،وأن يترك الحرية التامة للمدير أو من ينوب عنه في اختيار عماله الأكفاء دون مؤثرات أو مطالب ملحة تخل بأمانة الاختيار .

- أداء الواجبات المهنية: إذا كان توسيد الأمر إلى أهله أمانة بمقتضاها يعين الرجل المناسب في المكان المناسب ،فإن حسن قيام العامل بواجبات عمله واستنفاذ جهده في إتقانه والإتيان به على أتم وجه أمانة يعد التفريط فيها خيانة ،ولأجلها يشتد غضب الله تعالى ويعظُم عقابه على من فرط أو تهاون فيما عهد إليه. يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمامان البخارا ومسلم «إذا جمع الله بين الأولين والآخرين يوم القيامة، يرفع لكل غادر لواء يعرف به !فيقال هذه غدرة فلان...».. وعد النبي صلى الله عليه وسلم استغلال الإنسان لمنصبه والتربح من ورائه بغير حق مما حرمه الله سبحانه، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الحاكم وغيره «من استعملناه على عمل ورزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول «وعن أبي حميد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل عاملاً،فجاءه العامل حين فرغ من عمله فقال: يا رسول الله ،هذا لكم، وهذا أهدى لي. فقال له: أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك فنظرت أيهدى إليك أم لا؟ ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية بعد الصلاة ،فتشهد، وأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال أما بعد، فما بال العامل نستعمله، فيأتينا فيقول:هذا من عملكم، وهذا أهدى لي، أفلا قعد في بيت أبيه وأمه، فنظر هل يهدى له أم لا؟ فوالذي نفس محمد بيده،لا يغل أحدكم منها شيئاً إلا جاء به يوم القيامة،يحمله على عنقه: إن كان بعيراً جاء به له رغاء، وإن كانت بقرة جاء بها لها خوار، وإن كانت شاه جاء بها تبعر- تصيح-، فقد بلغت «وهكذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من تربح الممتهن بغير حق من جراء مهنته، وتوعده بهذا المصير الذي تقشعر منه أبدان ونفوس المخبتين، ونرى النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت ذاته يبشر كل من أخلص في مهنته فأداها على أكمل وجه بأنه من المجاهدين المتصدقين عند الله تعالى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد «الخازن الأمين الذي يؤدي ما أمر به، طيبة نفسه، أحد المتصدقين». ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه الطبراني وغيره «العامل إذا استعمل فأخذ الحق وأعطى الحق لم يزل كالمجاهد في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته».

- الأسرار المهنية: وهى من أجل الأمانات التي أكد الإسلام على حفظها بصفة عامة وفى مجال العمل والمهنة بصفة خاصة. فالطبيب أيا كان تخصصه مطالب بحفظ سر مريضه إلا في حالات معينة، وكذلك كل ممتهن مطالب بحفظ أسرار مهنته وكل ما أسند إليه ،فكم من مصالح عطلت بسبب استهانة البعض بالسر المهنى الذى يهمس به في المجالس والاجتماعات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد «من سمع من رجل حديثاً، لا يشتهي أن يذكر عنه، فهو أمانة وإن لم يستكتمه «ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه أبو داود وغيره «إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهو أمانة». وحرمات المجالس والاجتماعات تصان ما دام الذي يدور بين أروقتها مضبوطاً بالأدب لا ضرر فيه ولا ضرار.

أما إذا شهد الإنسان مجلساً يمكر فيه المجرمون بغيرهم ليوقعوا الأذى بهم، فهذا نوع من الفساد الذي يجب عليهم مقاومته والحيلولة دون وقوعه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبوداود «المجلس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس: مجلس سفك دم حرام، أو فرج حرام، أو اقتطاع مال بغير حق «ويقاس على هذه المجالس مثلها مما شابه. ومن خلال النصوص السابقة وغيرها استلهم علماء الأخلاق الإسلاميون آراءهم حول هذا الموضوع ومن ثم وجدنا الإمام الإمام الماوردي يقول « اعلم أن كتمان الأسرار من أقوى أسباب النجاح، وأدوم لأحوال الصلاح.... وإظهار الرجل سر غيره أقبح من إظهاره سر نفسه، لأنه يبوء بإحدى وصمتين:الخيانة إن كان مؤتمناً، أو النميمة إن كان مستودعاً. فأما الضرر فربما استويا فيه أو تفاضلاً، وكلاهما مذموم، وهو فيها ملوم».

-الأمانة في المهن الاستشارية: لقد اهتم الإسلام بتأكيد الأمانة في التشاور بين الناس، ويزداد هذا التأكيد في المهن ذات الطابع الاستشاري، كمكاتب الاستشارات القانونية والمحاسبية، وغير ذلك، وتعميق صفة الأمانة من خلال هذه المهن يكون من جانبين:

حفظ سر العمل أو صاحب الاستشارة

- إخلاص النصح له فيما استشار فيه حتى وإن غضب طالب المشورة .

فإن قصر المستشار في أي مما تقدم فهذا نوع من الخيانة المخلة بأخلاق المهنة والتي نهى الإسلام عنها. يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري «المستشار مؤتمن». ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه ابن ماجه «إذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه». ويقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري «من تقول على ما لم أقل، فليتبوأ مقعده من النار. ومن استشاره أخوه المسلم، فأشار عليه بغير رشد، فقد خانه، ومن أفتى فتيا بغير ثبت، فإثمه على من أفتاه».

-الأمانة على المواهب والملكات: فالمواهب والملكات طاقات إذا ما فعلت في إطارها الصحيح من شأنها أن ترتقي بالمجتمعات وتنهض بالأمم. من أجل هذا اهتم الإسلام بها وعدها أمانات يجب الحفاظ عليها وتنميتها وتفعيلها. ومن ثم كثيرا ما نسمع في مجال المهن عن الكوادر المدربة، ونسمع فيما اصطلح عليه حديثاً عن إدارة العقل. وإدارة الذات. من هذا المنطلق اهتم الإسلام بالمواهب والملكات لما لها من دور في الحياة عامة، وفى مجال المهنة خاصة، فكان من الضرورات التي أمر بحفظها«النفس» احتراماً وتقديراً لها، وحرصاً على المواهب والكفاءات في الأمة، وكان من الضرورات التي أمر بحفظها كذلك «العقل» الذي هو أداة الإدراك والتميز والتفاضل في الإنسان، وحفظه من خلال وجهة النظر الإسلامية يكون من جهتين:

1- حرمة الاعتداء عليه، إذ جعل الاعتداء عليه وإذ هابه وكأنه قتل لصاحبه لذا أوجب فيه دية كاملة، وحرم تغييبه بسكر أو ما شابه. 2- كذلك أمر الإسلام بتنميته كموهبة أمد الله بها الإنسان، وإعمالها فيما تستطيع من مجالات. ومن ثم عد من عطلها ولم ينميها في مرتبة أدنى من مرتبة الحيوان بل هو أضل سبيلا .. يقول تعالى: «وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ « الأعراف (179) . وفى آية شاملة تفيد مسؤولية الإنسان عما أمده الله تعالى به من مواهب وملكات، يقول سبحانه « إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا» الإسراء (36) ..

-الوفاء بالعقود في التعاملات المهنية: ومن الأمانات التي أمر الإسلام بأدائها والوفاء بها، الالتزام بالعقود والوفاء بها. سواء في مجال الشركات والمعاملات المالية، أو المادية أو المعنوية في مجال المهنة خاصة وفى كافة أمور الحياة عامة. كل ذلك مأمور الإنسان فيه بالوفاء بما أبرم من عقد أو أخذ على عاتقه من عهد. فالالتزام بالعقد وما تضمنه من شروط يعد من الواجبات المؤكدة سواء بين المهني وعميله، أو بين العامل ورب العمل، أو بين الموظف والمؤسسة التي يعمل بها،أو بين البائع والمشتري. يقول تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ» المائدة (1). وإذا كان الأمر كذلك فإنه يجري على ألسنة بعض الممتهنين عبارة «نحن نعمل على قدر ما يدفع من مال إلينا» وهذه مقولة خاطئة، والعمل بمقتضاها نوع من الخيانة وعدم الوفاء بالعهد، وذلك لأن الممتهن أو العامل قد التزم مع من يدفع إليه أجره أو راتبه سواء كان جهة عامة، أو مؤسسة خاصة بعقد مقتضاه أن يلتزم بعمل معين نظير راتب معين، فيجب أن يبذل جهده ويخلص في عمله ويأتي به على أكمل وجه، ولا يقول إن الجهد المبذول أكثر من المال المدفوع. فهذا لايجوز لأنه رضي ببذل هذا الجهد وأداء هذا العمل نظير هذا المال، فيجب الوفاء بما ارتضى به. والإخلال بذلك نوع من الخيانة التي يربأ الإسلام بأتباعه الوقوع فيها. من هذا وغيره يتضح أن الأمانة في مجال المهنة بعد أخلاقي ألزم الإسلام به جمهور الممتهنين على مختلف تخصصاتهم، ولولاه لتحولت الكفاءات إلى مردة وشياطين يستطير شرها دون حد أو منتهى لذا أكد الإسلام عليها في شتى صورها ومختلف مجالاتها.

د. محمد عبد الرحيم البيومي

كلية الشريعة والقانون - جامعة الإمارات

من صور الأمانة المهنية في الإسلام

أراد الإسلام أن يؤسس مجتمعا له التفرد والتميز في كيانه وذاته، فكانت دعوته الحافزة إلى تخير الكفاءات النابهة التي ترى خالقها وباريها عند جليل الأعمال وحقيرها فينبت ذلك في نفسها لأمانة شجرة وارفة الظلال غضة الثمار تؤتى أكلها كل حين بإذن ربها. والإسلام عندما أراد ذلك نظر إلى الأمانة ككيان تؤسس المهن من خلاله في كافة الفروع وشتى المجالات ومن ثم كانت الأمانة في:
- المناصب الإدارية: وهنا نؤكد على أن مما يؤذن بزوال المؤسسات وتصدع أركانها توسيد الأمر إلى غير أهله فيها، وتفشي الرشوة والمحسوبية في تعاملاتها، فتغيب على إثر ذلك الكفاءات المتميزة عن ساحتها، ويطفو الغثاء على سطحها، لذا أكد الإسلام على الأمانة في تولي المناصب والوظائف والمهن. ففي الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي ذر قال: قلت يا رسول الله ألا تستعملني؟قال:فضرب بيده على منكبي ثم قال:يا أبا ذر إنك ضعيف،وإنها لأمانة. وإنها يوم القيامة خزي وندامة،إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها».
ولذلك قيل «إن الكفاية العلمية ليست لازمة لصلاح النفس، فقد يكون الرجل رضى السيرة، حسن الإيمان، ولكنه لايحمل من المؤهلات المنشودة ما يجعله منتجاً في وظيفة معينة «ألم يأتك نبأ عن الصديق يوسف عليه السلام وكيف أنه لم يرشح نفسه للمنصب الإداري لنبوته وتقواه فحسب، وإنما دل على نفسه من خلال مؤهلات تجعله كفؤا لحيازة منصبه،وذلك من خلال أمانته وعلمه فقال: «قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ «يوسف (55). وهذا يدل على أن من مقتضيات الأمانة أن نصطفي للأعمال أحسن الناس قياماً بها يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الحاكم وغيره» من استعمل رجلاً على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه، فقد خان الله ورسوله والمؤمنين». ومن الأمانة في المناصب أن لا يطلب الوظيفة من ليس كفؤا لها فمن سمات المجتمع الإسلامي الصالح أن يتخير الأصلح من أهل الخبرة والدراية والكفاية للمهنة والوظيفة،وأن يترك الحرية التامة للمدير أو من ينوب عنه في اختيار عماله الأكفاء دون مؤثرات أو مطالب ملحة تخل بأمانة الاختيار .
- أداء الواجبات المهنية: إذا كان توسيد الأمر إلى أهله أمانة بمقتضاها يعين الرجل المناسب في المكان المناسب ،فإن حسن قيام العامل بواجبات عمله واستنفاذ جهده في إتقانه والإتيان به على أتم وجه أمانة يعد التفريط فيها خيانة ،ولأجلها يشتد غضب الله تعالى ويعظُم عقابه على من فرط أو تهاون فيما عهد إليه. يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمامان البخارا ومسلم «إذا جمع الله بين الأولين والآخرين يوم القيامة، يرفع لكل غادر لواء يعرف به !فيقال هذه غدرة فلان...».. وعد النبي صلى الله عليه وسلم استغلال الإنسان لمنصبه والتربح من ورائه بغير حق مما حرمه الله سبحانه، قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الحاكم وغيره «من استعملناه على عمل ورزقناه رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غلول «وعن أبي حميد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل عاملاً،فجاءه العامل حين فرغ من عمله فقال: يا رسول الله ،هذا لكم، وهذا أهدى لي. فقال له: أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك فنظرت أيهدى إليك أم لا؟ ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية بعد الصلاة ،فتشهد، وأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال أما بعد، فما بال العامل نستعمله، فيأتينا فيقول:هذا من عملكم، وهذا أهدى لي، أفلا قعد في بيت أبيه وأمه، فنظر هل يهدى له أم لا؟ فوالذي نفس محمد بيده،لا يغل أحدكم منها شيئاً إلا جاء به يوم القيامة،يحمله على عنقه: إن كان بعيراً جاء به له رغاء، وإن كانت بقرة جاء بها لها خوار، وإن كانت شاه جاء بها تبعر- تصيح-، فقد بلغت «وهكذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من تربح الممتهن بغير حق من جراء مهنته، وتوعده بهذا المصير الذي تقشعر منه أبدان ونفوس المخبتين، ونرى النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت ذاته يبشر كل من أخلص في مهنته فأداها على أكمل وجه بأنه من المجاهدين المتصدقين عند الله تعالى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد «الخازن الأمين الذي يؤدي ما أمر به، طيبة نفسه، أحد المتصدقين». ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه الطبراني وغيره «العامل إذا استعمل فأخذ الحق وأعطى الحق لم يزل كالمجاهد في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته».
- الأسرار المهنية: وهى من أجل الأمانات التي أكد الإسلام على حفظها بصفة عامة وفى مجال العمل والمهنة بصفة خاصة. فالطبيب أيا كان تخصصه مطالب بحفظ سر مريضه إلا في حالات معينة، وكذلك كل ممتهن مطالب بحفظ أسرار مهنته وكل ما أسند إليه ،فكم من مصالح عطلت بسبب استهانة البعض بالسر المهنى الذى يهمس به في المجالس والاجتماعات، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد «من سمع من رجل حديثاً، لا يشتهي أن يذكر عنه، فهو أمانة وإن لم يستكتمه «ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه أبو داود وغيره «إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهو أمانة». وحرمات المجالس والاجتماعات تصان ما دام الذي يدور بين أروقتها مضبوطاً بالأدب لا ضرر فيه ولا ضرار.
أما إذا شهد الإنسان مجلساً يمكر فيه المجرمون بغيرهم ليوقعوا الأذى بهم، فهذا نوع من الفساد الذي يجب عليهم مقاومته والحيلولة دون وقوعه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبوداود «المجلس بالأمانة إلا ثلاثة مجالس: مجلس سفك دم حرام، أو فرج حرام، أو اقتطاع مال بغير حق «ويقاس على هذه المجالس مثلها مما شابه. ومن خلال النصوص السابقة وغيرها استلهم علماء الأخلاق الإسلاميون آراءهم حول هذا الموضوع ومن ثم وجدنا الإمام الإمام الماوردي يقول « اعلم أن كتمان الأسرار من أقوى أسباب النجاح، وأدوم لأحوال الصلاح.... وإظهار الرجل سر غيره أقبح من إظهاره سر نفسه، لأنه يبوء بإحدى وصمتين:الخيانة إن كان مؤتمناً، أو النميمة إن كان مستودعاً. فأما الضرر فربما استويا فيه أو تفاضلاً، وكلاهما مذموم، وهو فيها ملوم».
-الأمانة في المهن الاستشارية: لقد اهتم الإسلام بتأكيد الأمانة في التشاور بين الناس، ويزداد هذا التأكيد في المهن ذات الطابع الاستشاري، كمكاتب الاستشارات القانونية والمحاسبية، وغير ذلك، وتعميق صفة الأمانة من خلال هذه المهن يكون من جانبين:
حفظ سر العمل أو صاحب الاستشارة
- إخلاص النصح له فيما استشار فيه حتى وإن غضب طالب المشورة .
فإن قصر المستشار في أي مما تقدم فهذا نوع من الخيانة المخلة بأخلاق المهنة والتي نهى الإسلام عنها. يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري «المستشار مؤتمن». ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه ابن ماجه «إذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه». ويقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري «من تقول على ما لم أقل، فليتبوأ مقعده من النار. ومن استشاره أخوه المسلم، فأشار عليه بغير رشد، فقد خانه، ومن أفتى فتيا بغير ثبت، فإثمه على من أفتاه».
-الأمانة على المواهب والملكات: فالمواهب والملكات طاقات إذا ما فعلت في إطارها الصحيح من شأنها أن ترتقي بالمجتمعات وتنهض بالأمم. من أجل هذا اهتم الإسلام بها وعدها أمانات يجب الحفاظ عليها وتنميتها وتفعيلها. ومن ثم كثيرا ما نسمع في مجال المهن عن الكوادر المدربة، ونسمع فيما اصطلح عليه حديثاً عن إدارة العقل. وإدارة الذات. من هذا المنطلق اهتم الإسلام بالمواهب والملكات لما لها من دور في الحياة عامة، وفى مجال المهنة خاصة، فكان من الضرورات التي أمر بحفظها«النفس» احتراماً وتقديراً لها، وحرصاً على المواهب والكفاءات في الأمة، وكان من الضرورات التي أمر بحفظها كذلك «العقل» الذي هو أداة الإدراك والتميز والتفاضل في الإنسان، وحفظه من خلال وجهة النظر الإسلامية يكون من جهتين:
1- حرمة الاعتداء عليه، إذ جعل الاعتداء عليه وإذ هابه وكأنه قتل لصاحبه لذا أوجب فيه دية كاملة، وحرم تغييبه بسكر أو ما شابه. 2- كذلك أمر الإسلام بتنميته كموهبة أمد الله بها الإنسان، وإعمالها فيما تستطيع من مجالات. ومن ثم عد من عطلها ولم ينميها في مرتبة أدنى من مرتبة الحيوان بل هو أضل سبيلا .. يقول تعالى: «وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ « الأعراف (179) . وفى آية شاملة تفيد مسؤولية الإنسان عما أمده الله تعالى به من مواهب وملكات، يقول سبحانه « إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولا» الإسراء (36) ..
-الوفاء بالعقود في التعاملات المهنية: ومن الأمانات التي أمر الإسلام بأدائها والوفاء بها، الالتزام بالعقود والوفاء بها. سواء في مجال الشركات والمعاملات المالية، أو المادية أو المعنوية في مجال المهنة خاصة وفى كافة أمور الحياة عامة. كل ذلك مأمور الإنسان فيه بالوفاء بما أبرم من عقد أو أخذ على عاتقه من عهد. فالالتزام بالعقد وما تضمنه من شروط يعد من الواجبات المؤكدة سواء بين المهني وعميله، أو بين العامل ورب العمل، أو بين الموظف والمؤسسة التي يعمل بها،أو بين البائع والمشتري. يقول تعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ» المائدة (1). وإذا كان الأمر كذلك فإنه يجري على ألسنة بعض الممتهنين عبارة «نحن نعمل على قدر ما يدفع من مال إلينا» وهذه مقولة خاطئة، والعمل بمقتضاها نوع من الخيانة وعدم الوفاء بالعهد، وذلك لأن الممتهن أو العامل قد التزم مع من يدفع إليه أجره أو راتبه سواء كان جهة عامة، أو مؤسسة خاصة بعقد مقتضاه أن يلتزم بعمل معين نظير راتب معين، فيجب أن يبذل جهده ويخلص في عمله ويأتي به على أكمل وجه، ولا يقول إن الجهد المبذول أكثر من المال المدفوع. فهذا لايجوز لأنه رضي ببذل هذا الجهد وأداء هذا العمل نظير هذا المال، فيجب الوفاء بما ارتضى به. والإخلال بذلك نوع من الخيانة التي يربأ الإسلام بأتباعه الوقوع فيها. من هذا وغيره يتضح أن الأمانة في مجال المهنة بعد أخلاقي ألزم الإسلام به جمهور الممتهنين على مختلف تخصصاتهم، ولولاه لتحولت الكفاءات إلى مردة وشياطين يستطير شرها دون حد أو منتهى لذا أكد الإسلام عليها في شتى صورها ومختلف مجالاتها.
د. محمد عبد الرحيم البيومي
كلية الشريعة والقانون - جامعة الإمارات

زكاة مؤخر الصداق

أرجو توضيح مسألة زكاة الحلي الذي يكتب في عقد النكاح «المؤخر»، البعض يكتب صداقها كيلو أو كيلوي جرام ذهب هل فيها زكاة؟ علما بأنها لم تستلم منها أي شيء.
◆ يجيب المركز الرسمي للإفتاء بالدولة: الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد..
مؤخر الصداق يعتبر ديناً على الزوج للزوجة، ولكن لا تزكيه حتى تقبضه، ثم تستقبل به سنة كاملة ثم بعد ذلك تزكيه، قال العلامة ابن رشد رحمه الله تعالى في تقسيمه للديون: «الدين إذا كان من ميراث أو عطية أو أرش جناية أو مهر امرأة أو ثمن خلع وما أشبه ذلك، فهذا لا زكاة فيه حالاً كان أو مؤجلاً حتى يقبض ويحول الحول عليه من بعد القبض»، ومعنى كلامه واضح، وهو أن الدين إذا لم يكن أصله من مال موجود عند المالك فلا يزكيه إلا بعد قبضه؛ لأنه لم تستقر ذمته عليه.
وذلك كالعطية التي ما زالت عند معطيها، وأرش الجناية الذي ما زال بيد الجاني، ومهر الزوجة الذي ما زال عند الزوج، مع الإشارة إلى أن حلي المرأة الذي تستخدمه للزينة لا زكاة فيه على المشهور من المذهب بشروط وقيود، والله أعلم.
الصدقة تدفع البلاء
أود ذبح ذبيحة من باب دفع البلاء عني وعن عائلتي بسبب كثرة المشاكل والأمراض التي تواجهني هذه الفترة، فهل يجوز أن أعطي الأموال للهلال الأحمر وهم يذبحون نيابة عني؟ أم أن الأفضل أن أجعل هذه الأموال في مشروع للسقي مثل حفر بئر أو شراء ثلاجات ماء توضع عند مسجد؟
◆ نسأل الله العلي القدير أن يوفقك لكل خير، وإذا كنت قادرة على مباشرة توزيع صدقتك بنفسك فذلك هو الأصل، وإن وكلت غيرك أو وكلت الهلال الأحمر فإن ذلك وجه شرعي مقبول إن شاء الله، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة، فقد قال الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه: باب على كل مسلم صدقة فمن لم يجد فليعمل بالمعروف، وأورد في ذلك عدة أحاديث.
ولا شك أن من أعظم الصدقات حفر الآبار وسقاية العطشان، وأي شيء تيسر لك من توزيع اللحوم أو سقاية الماء فذلك كله خير، فالصدقة مهما تعددت أشكالها فأجرها عظيم ومردودها جسيم، والله الموفق.
الزواج يبنى على الحقائق
استمرت صديقتي في علاقة بريئة مع رجل لمدة 10 سنوات، وكانت تدعمه ماديا في انتظار أن يتقدم لخطبتها، وبعد ذلك لاحظت عدم اهتمامه بها، مما جعلها تقطع العلاقة به، وبعد ثلاث سنوات أخذ يرسل الرسائل ويحملها مسؤولية المقاطعة، وصديقتي شارفت على الأربعين وقد ردت الخاطبين في انتظار هذا الرجل، فما هو توجيهكم لها، وهل يمكن أن تجد فرصة للزواج بهذا الرجل؟
◆ نسأل الله العلي القدير أن ييسر لهذه المرأة زوجا مناسبا، والطريق الصحيح للزواج هو المصارحة والواقعية وليس الافتراضات والأوهام، ويجب على صديقتك أن تتوب إلى الله من هذه العلاقة التي ذكرت، وإذا كان هذا الرجل راغبا في الزواج بها فلا مجال للتسويف، فليتقدم إلى خطبتها والعقد عليها، وبعد ذلك إن كانت هنالك ظروف غير مواتية فيمكن تأخير الدخول إلى الوقت المناسب، وإذا كان في حاجة لمساعدة فلا حرج من مساعدته، فلقد كان بعض نساء الصحابة يعملن وينفقن على أزواجهن وعيالهن.
والذي ينبغي أن تحذر منه صديقتك هو العودة إلى التسويف والكلام المعسول؛ فإن ذلك طريق لا طائل من ورائه ومخالف لما أمرت الشريعة به، والله الموفق.

السبت، 12 مارس 2011

هذه الحقيقة !

حين نحب أحداً يستحيل أن نبين له مايكرهه ، أو يصدر منا تجاهه مايغضبه ..
فالذي يحب الله -تعالى وتقدس - حق المحبة محال أن يقدم له مايكره ،
لاأدري حقاً علامَ نمنع  أنفسنا من (جنة) عرض الفضا بتفاهة عابرة ، ومتعة زائلة
.. ؟
نحرم أنفسنا عالي الجنات بموسيقى صاخبة مثلا ، لاتتعدى متعتها ثوان زائلة !،
نحجب أنفسنا من لذائذ الجنة بغيبة وضحكة ساخرة ؟ بصورة ، أو فلم يموت الحياء
على أعتابه ؟
الجنة بكل تفاصيلها الجميلة حين يصفها الله لنا في كتابه أما تستحثنا على السير
؟
أوما نشتهي هذا النعيم ؟ حين يقول الله " (أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ )
كيف لانتصبر بعد هذا كله ؟ وكيف ، كيف لانستحي من الله على زلاتنا ؟
الحياة هذه حقيقتها جلية واضحة ، والقبور وأعداد الراحلين مع كل فجيعة  مبرر
كافٍ لأن نتنصل من كل أشيائها ،
لأن نمشي إلى الله ، ونفر إليه ،قارعين على بابه معتذرين عن كل سوءاتنا
وخطايانا ،
منكسين رؤسنا ، آسفين على زلاتنا ، طامعين بمغفرة منه ورضوان ،
فاتحين لصفحة بيضاء جديدة معه كل أوان ، بل كل ثانية ..
فمن يقبلنا غير الله ؟ ومن أرحم بنا منا غير الله ؟
هذه الحياة ، لم تمنحنا أي ضمان على بقائها وبقاء نعمها ومتعها ..
ماهي إلا محطة ، محطة فاصلة قبل ولوجنا إلى عالم أخروي آخر ..فيه الحياة
الحقيقة ،
مادامت حياة واحدة لاتتكرر فاجعلها لله ، وكل معاملاتك وتفاصيلك الدقيقة لله
..ولله فقط .
هذه حقيقتها المؤلمة ، ونحن نحاول في خضم زاحمها أن ننسى أو نتناسى ! ..

زكاة «القرض»

كنت على وشك شراء قطعة أرض لأبني عليها منزلا لي ولأبنائي وكان معي من ثمنها مائة ألف درهم، واقترضت من البنك ثلاث مائة ألف درهم، ولكن لم تتم عملية الشراء والآن مرت سنة. والسؤال الآن هل أخرج الزكاة على مبلغ المائة ألف التي أمتلكها فعلا من الأصل؟ أو أخرج الزكاة على إجمالي المبلغ الذي هو عبارة عن أربعمائة ألف؟ وإذا كان الإجابة هي إخراج عن إجمالي المبلغ.. كيف أخرج عن المبلغ الذي اقترضته من البنك وهو ليس ملكي وما زال يجب عليّ سداده للبنك، مع العلم إذا قمت بإرجاع المبلغ للبنك سوف يقوم البنك بخصم كامل أرباحه التي كان ينوي أخذها مني على مدار خمس سنوات؟
◆ يجيب المركز الرسمي للإفناء بالدولة: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد..
نعم: تزكي هذه المائة؛ لأنك تملكها ملكا تاما، وأما المبلغ الذي اقترضته من البنك فتزكيه إذا كان عندك مال آخر فائض عن حاجتك الضرورية كبيت لا تسكنه أو مزرعة، وكان هذا البيت أو هذه المزرعة مثلا تفي بقيمة هذا الدين، فإنك تزكي حينئذ المبلغ الذي اقترضته مع المئة التي بحوزتك، وإذا لم يكن عندك أي مال زائد عن حاجتك، فإن دين البنك الذي ذكرت يسقط عنك مقابله من الزكاة في المبلغ الذي عندك، فمن المعروف فقها أن الدين يسقط زكاة النقود «الذهب والفضة وما في حكمهما كالعملات المتداولة اليوم»، ولكن بشرط أن لا يكون عند المزكي أي مال آخر فائض عن حاجته يجعله في مقابل هذا الدين يمكن أن يسدده به في حالة المطالبة بهذا الدين، قال العلامة ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله تعالى في كتابه الرسالة «ومن له مال تجب فيه الزكاة وعليه دين مثله أو ينقصه عن مقدار مال الزكاة فلا زكاة عليه، إلا
هدايا الموظفين وأنواعها
أعمل مهندساً في شركة وأحصل من بعض العملاء على مبالغ مالية وهدايا عينية، بعد انتهاء المشروع ودون اتفاق بيني وبينهم، وأخبرت صاحب العمل بذلك ووافق، فما الحكم الشرعي في أخذ مثل هذا النوع من الهدايا ؟
◆ الهدايا التي تعطى للموظف ثلاثة أنواع:
الأول: الهدية التي تكون سبباً في المحاباة في المعاملة والظلم والحيف، فهذا النوع من الهدايا محرم قطعاً.
الثاني: الهدايا التي يأخذها الموظف دون اتفاق بينه وبين العميل، وفي أغلب الأحيان تكون بعد انتهاء الخدمة المقدمة من طرف الموظف، وهذا النوع من الهدايا لا حرج في قبولها بعد استئذان صاحب العمل إذا لم يترتب عليها إخلال بحق أو سكوت على باطل.
الثالث: الهدايا التي يأخذها الموظف من أشخاص كانت له علاقة سابقة على العمل، أي لم يكن سبب هذه الهدايا الوظيفة، ولا كون الموظف موجوداً في هذه المؤسسة، ولا بأس بمثل هذا النوع من الهدايا، لأنه لا علاقة له بمجال العمل.
هذا التفصيل كله مأخوذ من شرح الشيخ خليل رحمه الله تعالى عند قوله: «وحرم هديته إن لم يتقدم مثلها أو يحدث موجب كرب القراض وعامله ولو بعد شغل المال على الأرجح وذي الجاه والقاضي»، والله تعالى أعلم.
حكم وضع ما شاء الله على السيارة
هل يجوز وضع جملة «ما شاء الله» على السيارة من الخارج؟
◆ إذا أردت كتابة هذه العبارة على السيارة فلتوضع داخل الزجاج حتى تسلم من الأوساخ التي تتعرض لها السيارات عادة، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى كراهة كتابة القرآن الكريم وأسماء الله في مكان يخشى فيه من تعرضها للأوساخ ونحو ذلك، قال العلامة ابن عابدين رحمه الله: «تكره كتابة القرآن وأسماء الله تعالى على الدراهم والمحاريب والجدران وما يفرش، وما ذاك إلا لاحترامه وخشية وطئه ونحوه مما فيه إهانة». وعلى هذا فلا ينبغي وضع عبارة «ما شاء الله» ونحوها على السطح الخارجي للسيارة، وليحافظ المسلم على أذكار الصباح والمساء ونحوها حتى يحفظه الله من كل مكروه، والله أعلم.

«محفوظ» في الصدور والسطور بوعد من الله


أحمد محمد
اتفق العلماء على أن «المحفوظ» اسم من أسماء القرآن الكريم استناداً لقوله تعالى «بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ» (البروج الآيتان 21 و22) وقوله عز وجل «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» (سورة الحجر الآية 9) وقوله سبحانه «إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون» (الواقعة الآيتان 77 و78).
(القاهرة) - ذكر أصحاب «المنتخب» في تفسير القرآن الكريم حول هذه الآيات أن هذا القرآن العظيم جاء دلالة على صدق النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في لوح محفوظ لا ترقى إليه قوة بتحريف أو تبديل، ولأجل أن تكون دعوة النبي صلى الله عليه وسلم بالحق قائمة إلى يوم القيامة، لم ننزل الملائكة، بل أنزلنا القرآن المستمر تذكيره للناس، وإنا لحافظون له من كل تغيير وتبديل أو زيادة أو نقصان حتى تقوم القيامة، وإنه لقرآن كثير المنافع في اللوح المحفوظ، مصون لا يطلع عليه إلا المقربون من الملائكة، ولا يمسه إلا المطهرون وهو منزل من عند الله رب الخلق أجمعين، فالحفظ دائم قبل نزوله وبعد نزوله وإلى يوم الدين، فهو محفوظ في المصاحف وفي الصدور.
حفظ أبدي
ويقول الدكتور محمد داود ـ عميد معهد معلمي القرآن الكريم ـ لقد كانت مهمة حفظ كتب الرسالات والشرائح السابقة موكلة إلى أمم هذه الرسالات كجزء من التكليف لهم والاختبار لاستقامتهم في هذا التكليف، قال تعالى: «إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين اسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء» (المائدة الآية 44)، لكنهم فرطوا في القيام بتكليف الحفظ للكتب بالنسيان حيناً، وبالتحريف والإخفاء حيناً آخر، وحينما يحدث التحريف أو النسيان لهذه الكتب، يبعث الله عز وجل رسولاً جديداً بكتاب جديد.
أما عندما أراد الله سبحانه وتعالى ختم النبوات والرسالات بنبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته، فكان لابد لحفظ كتاب الشريعة الخاتمة من حافظ لا يجوز عليه الإهمال، ولا يتأتى منه التحريف ولا يليق به النسيان، أي كان لابد من الحفظ المعصوم الأبدي لكتاب الله المعجز الخالد.
محفوظ من العبث
ولذلك انتقلت مهمة حفظ الوحي الخاتم - القرآن الكريم - في الرسالة الخاتمة إلى الله الذي لا يتخلف حفظه أبداً بعد أن كانت هذه المهمة موكلة للناس قبل ذلك، فكان الوعد الإلهي المؤكد «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون». ومن ثم هيأ الله سبحانه وتعالى، لتدوين القرآن الكريم من كتبة الوحي ما لم يتهيأ لكتاب سابق، وجعل جمعه وعداً إلهياً وإنجازاً ربانياً في قوله عز وجل «لا تحرك به لسانك لتعجل به، إن علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه، ثم إن علينا بيانه» (سورة القيامة الآيات 16 و19)، وذلك حتى تستمر حجة الله على عباده، ويكون حسابه لهم عدلاً خالصاً، كما أن المولى تباركت أسماؤه، وعد بأن يورثه للذين اصطفاهم من عبادة بعد أن أنزله على المصطفى صلى الله عليه وسلم «والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقاً لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير، ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ـ سورة فاطر الآيتان 31 و32.
ومن صفات القرآن إنه كتاب عزيز، محفوظ من العبث به أو فيه، وأنه ممتنع عن الإبطال، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بأي حال من الأحوال، وإنه لعلي حكيم، فوق تطاول المتطاولين، مكنون مصون محفوظ من اللعب والعبث والتحريف والتبديل والتغيير.
عزيز منيع
ولقد صدق التاريخ، على هذا الحفظ الإلهي لهذا القرآن المجيد فظل كما هو، منذ أن نزل به الروح الأمين على قلب الصادق الأمين، لم يتغير فيه حرف ولا رسم ولا حركة، وقد مضى على نزوله أكثر من أربعة عشر قرناً مرت فيها الأمة الإسلامية بأطوار من التراجع والانحطاط، وفقدت فيها الذاكرة الإسلامية ملايين المخطوطات التي أبادتها غزوات الطغاة، واندثرت فيها مذاهب وفلسفات، وظل القرآن الكريم عزيزاً منيعاً محفوظاً بحفظ الله خير الحافظين.
وقد ثبت تاريخياً، أن القرآن أصدق وأدق وثيقة حفظت على مر التاريخ، وتعاقبت جميع صور الحفظ على الإمساك بها وصيانتها، من كتابة في المصحف، وحفظ في الصدور، وتلاوة دائبة ليلا ونهاراً في الصلاة والتعبد به، ومراجعة لآياته في معرفة أحكام الشريعة، ويشهد القرآن نفسه شهادة قاطعة مثبتة في آيات متعددة منه ومتفرقة فيه، بالتحدي، ثم بالعجز عن القيام لهذا التحدي، وهذه حقيقة لا يجادل فيها أحد ولا ينكرها أحد من خصوم الإسلام.
إن تعلم القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وحتى يومنا هذا يقوم على التلقي مشافهة، إن كتابة القرآن كانت محدودة في نطاق ضيق من الصحابة هم كتبة الوحي، ولما جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه لم يكتف بما هو مكتوب، بل جمع من صدور الحفاظ.
توجيه رباني
ويقول العلماء إن رسالة الإسلام هي الرسالة العامة والخاتمة، والقرآن الكريم هو آخر الكتب السماوية المنزلة من قبل الحق تبارك وتعالى، وقد تضمن مبادئ هذا الدين الحنيف وأهدافه السامية ومقاصده النبيلة، وغاياته المرجوة، ومن ثم فهو الكتاب الخالد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ولكي يتم ذلك على أكمل وجه وأتم صورة فإن الله تعالى قد أخذ على نفسه عهداً بحفظه، فلم يترك قرآنه العظيم وكتابه الكريم لقدرة البشر وإمكاناتهم لحفظه، ولكنه تكفل سبحانه بهذا العمل الجليل، أما البشر فهم فقط الأداة المنفذة لهذا الأمر الإلهي والتوجيه الرباني، فكلما تقدم العلم وزادت معطياته، كان ذلك في خدمة القرآن ووسائل حفظه ونشره في العالمين.
تسجيل وكتابة
يتضح ذلك تاريخياً من تطور وسائل هذا الحفظ، فمن حفظ في الصدور، إلى تسجيل وكتابة على سعف النخيل والعظام، إلى استخدام الأوراق لنسخ النسخ الكثيرة يدوياً، ولما اخترعت آلة الطباعة استخدمت في طبع المصحف الشريف، كما استطاع الأميون متابعة تلاوة القرآن شفوياً من خلال الإذاعة والتلفاز، أما التطور الأخير فكان النشر الإلكتروني من خلال تطور صناعة الحاسب الآلي واستخدام شبكة المعلومات، وهكذا تعددت وسائل الحفظ تنفيذاً لوعد الله تعالى، والقرآن خالد، يزيده التقدم العلمي رسوخاً في الإعجاز وقوة في التحدي، وهو أغرب تحد في التاريخ وأكثره إثارة للدهشة، فلم يجرؤ أحد على مر السنين الطويلة أن يواجه هذا التحدي، فكلمات القرآن صدرت من المنبع الإلهي.

الثبات على المبدأ

أخرج الإمام البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ :(إِنَّ ثَلاثَةً فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ أَبْرَصَ وَأَقْرَعَ وَأَعْمَى بَدَا ِللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَبْتَلِيَهُمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ مَلَكًا، فَأَتَى الْأَبْرَصَ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: لَوْنٌ حَسَنٌ، وَجِلْدٌ حَسَنٌ قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ عَنْهُ، فَأُعْطِيَ لَوْنًا حَسَنًا وَجِلْدًا حَسَنًا، فَقَالَ: أَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْإِبِلُ- أَوْ قَالَ الْبَقَرُ، هُوَ شَكَّ فِي ذَلِكَ: إِنَّ الْأَبْرَصَ وَالْأَقْرَعَ قَالَ أَحَدُهُمَا الْإِبِلُ، وَقَالَ الْآخَرُ الْبَقَرُ- فَأُعْطِيَ نَاقَةً عُشَرَاءَ ، فَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا، وَأَتَى الْأَقْرَعَ فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: شَعَرٌ حَسَنٌ وَيَذْهَبُ هَذَا عَنِّي، قَدْ قَذِرَنِي النَّاسُ، قَالَ فَمَسَحَهُ فَذَهَبَ، وَأُعْطِيَ شَعَرًا حَسَنًا، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: الْبَقَرُ، قَالَ فَأَعْطَاهُ بَقَرَةً حَامِلاً، وَقَالَ: يُبَارَكُ لَكَ فِيهَا، وَأَتَى الْأَعْمَى فَقَالَ أَيُّ شَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: يَرُدُّ اللهُ إِلَيَّ بَصَرِي فَأُبْصِرُ بِهِ النَّاسَ، قَالَ فَمَسَحَهُ، فَرَدَّ اللهُ إِلَيْهِ بَصَرَهُ، قَالَ: فَأَيُّ الْمَالِ أَحَبُّ إِلَيْكَ ؟ قَالَ: الْغَنَمُ، فَأَعْطَاهُ شَاةً وَالِدًا، فَأُنْتِجَ هَذَانِ وَوَلَّدَا هَذَا ،فَكَانَ لِهَذَا وَادٍ مِنْ الإبِلِ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنْ البَقَرٍ، وَلِهَذَا وَادٍ مِنَ الْغَنَمِ، ثُمَّ إِنَّهُ أَتَى الأبْرَصَ فِي صُورَتِهِ وَهَيْئَتِهِ فَقَالَ، رَجُلٌ مِسْكِينٌ تَقَطَّعَتْ بِهِ الْحِبَالُ فِي سَفَرِهِ فَلَا بَلَاغَ الْيَوْمَ إِلَّا بِاللهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ- بِالَّذِي أَعْطَاكَ اللَّوْنَ الْحَسَنَ وَالْجِلْدَ الْحَسَنَ وَالْمَالَ- بَعِيرًا أَتَبَلَّغُ بِهِ فِي سَفَرِي، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ الْحُقُوقُ كَثِيرَةٌ، فَقَالَ لَهُ: كَأَنِّي أَعْرِفُكَ، أَلَمْ تَكُنْ أَبْرَصَ يَقْذَرُكَ النَّاسُ فَقِيرًا فَأَعْطَاكَ اللَّهُ؟ فَقَالَ: لَقَدْ وَرِثْتُ لكَابِرٍ عَنْ كَابِرٍ، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ، وَأَتَى الأَقْرَعَ فِى صُورَتِهِ وَهَيْئَتهِِِ ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِهَذَا، فَرَدَّ عَلَيْهِ هَذَا، فَقَالَ: إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَصَيَّرَكَ اللَّهُ إِلَى مَا كُنْتَ، وَأَتَى الأَعْمَى فِى صُورَتِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِسْكِينٌ وَابْنُ السَبِيلٍ، وتقَطَعَتْ بِه الْحِبَالُ فِى سَفَرِه، فَلاَ بَلاَغَ الْيَوْمَ إِلاَّ بِاللَّهِ ثُمَّ بِكَ، أَسْأَلُكَ بِالَّذِى رَدَّ عَلَيْكَ بَصَرَكَ شَاةً أَتَبَلَّغُ بِهَا فِى سَفَرِى، وَقَالَ له: قَدْ كُنْتُ أَعْمَى فَرَدَّ اللَّهُ بَصَرِى وفَقِيراً فَقَدْ أَغْنَانِي، فَخُذْ مَا شِئْتَ، فَوَاللَّهِ لاَ أَجْهَدُكَ الْيَوْمَ بشيءٍ أَخَذْتَهُ لِلَّهِ، فَقَالَ أَمْسِكْ مَالَكَ، فَإِنَّمَا ابْتُلِيتُمْ، فَقَدْ رَضِيَ الله عَنْكَ، وَسُخطَ عَلَى صَاحِبَيْكَ) (أخرجه البخاري).
هذا الحديث حديث صحيح أخرجه الإمام البخاري في صحيحه في كتاب أحاديث الأنبياء، باب: حديث أبرص وأعمى وأقرع في بني إسرائيل. ونتعلم من هذا الحديث دروساً كثيرة، منها أن الله- سبحانه وتعالى- يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب، لكنه لا يعطي الدين إلا لمن أحب.
كما يظهر من خلال ذلك ابتلاء الله لعباده ليميز الخبيث من الطيب والشاكر من الكافر {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ *وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (سورة العنكبوت 2-3)، فالابتلاء يكون بالنعمة والنقمة ليظهر من يشكر ممن يكفر، فمن شكر فإنما يشكر لنفسه، ومن كفر فإن الله غني حميد، فالله قد ابتلى هؤلاء الثلاثة بالداء (البرص، والقرع، والعمى ) مع الفقر ، ثم الشفاء والصحة مع الغني.

كما نتعلم وجوب شكر الله على نعمه فهو القائل {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} (سورة إبراهيم 7)، فبالشكر تزداد النعم ، وبالجحود تزول النعم وتنتهي، كما قال الشاعر:
إذا كنت فى نعمة فارعها
فإن المعاصى تزيل النعم
وداوم عليها بشــكر الإلـه
فـإن الإله سريـع النقـــم
كما نتعلم وجوب العطف على الفقراء والمساكين والضعفاء لقوله- صلى الله عليه وسلم- : ( ما من يوم تشرق الشمس إلا وملكان يناديان: « اللهم أعط منفقاً خلفاً»، ويقول الآخر: «اللهم أعط ممسكاً تلفاً») (أخرجه البخاري)، ويقول أيضاً: (وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم ؟) (أخرجه أحمد). كما نتعلم بأن دوام الحال من المحال {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ}(سورة آل عمران 140).
والناس نوعان: هناك من يرزقه الله عز وجل ويسبغ عليه من فضله، فهو شاكر لله أنعمه، ينفق من فضل الله عليه في مساعدة الفقراء والمساكين، ويعمل على رسم البسمة على الشفاه المحرومة، وإدخال السرور على القلوب الحزينة ويمسح رأس اليتامى، ويزيل الدمعة من عيون الأرامل والثكالى، فكلما زاد في الإنفاق زاده الله سعة في الأرزاق لقوله تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}(سورة إبراهيم 7). والنوع الثاني : من أنعم الله عليه في الرزق، لكنه لا يرحم فقيراً، ولا يواسي محتاجاً، ولا يعطي مسكيناً، ولا يغيث ملهوفاً، ونسى أن الله عز وجل قد جعل للفقراء نصيباً معلوماً في أموال الأغنياء لقوله تعالى : «وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ»(سورة الذاريات 19)، فهو لا يؤدي زكاة ماله، ولا يشكر الله على نعمه، ولا يعطف على المحتاجين، فمآله خطير، وعاقبته وخيمة لقوله تعالى : {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ* يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} (سورة التوبة 34-35).
ومن المعلوم أن النفس الإنسانية في غيبة الإيمان تميل إلى الكبر والتعالي، وهذا ما صرح به كل من الأبرص والأقرع عندما قالا : ورثنا هذا المال كابراً عن كابر، وأنكرا الظروف القاسية التي مرت بهما في حياتهما من فقر وبؤس، في حين نجح الأعمى بتواضعه وشكره، واعترافه بنعمة الله عليه، وأداء حق الله فيها، فيا سعادة من وُفّق لمرضاة ربه، وأخضع نفسه لرضا مولاه.
إن العبد الطائع لربه الملتزم بمبدأ الحق والخير يكسب رضى مولاه، بينما يجني العاصي لربه المفرط بمبادئه الخائن لعهوده الويل والثبور وعواقب الأمور .
ولعل من أصدق الأمثلة على ذلك: قصة ثعلبة بن حاطب: الرجل الذي نسى مبدأه وخان عهده، كان يلقب بحمامة المسجد، وكفى بهذا اللقب شهادة له بحسن المواظبة وأداء الصلوات في أوقاتها.
ماذا حدث لتلك الحمامة ، وماذا جرى لثعلبة؟ (روى أنه قال للرسول- صلى الله عليه وسلم-: (ادع الله أن يرزقني مالاً.... حتى قال: والذي بعثك بالحق لئن دعوت الله فرزقني مالاً لأعطين كل ذي حق حقه، فدعا له الرسول- صلى الله عليه وسلم- قائلاً: «اللهم ارزق ثعلبة مالاً»)، فاستحاب الله دعاء نبيه ، وعندما جاء موعد الاختبار رفض ثعلبة دفع الزكاة للرسول- صلى الله عليه وسلم- فلم يف بشيء مما عاهد الله عليه ، فنزل قول الله تعالى : {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ* فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ* {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ* أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ} (سورة التوبة 75-78)، كما وورد أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- لم يقبل صدقته في حياته فلما قُبض- صلى الله عليه وسلم- عرضها على أبي بكر فلم يقبلها، ثم عرضها على عمر فلم يقبلها ، حتى هلك في زمن عثمان، وقد جاء في تفسير قوله تعالى :{أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ}، ( يخبر تعالى أنه يعلم السر وأخفى وأنه أعلم بضمائرهم ، وإن أظهروا أنه إن حصل لهم أموال تصدقوا منها وشكروا عليها، فإن الله أعلم بهم من أنفسهم، لأنه تعالى علام الغيوب، أي يعلم كل غيب وشهادة وكل سر ونجوى، ويعلم ما ظهر وما بطن) (مختصر تفسير ابن كثير 2/157-185 بتصرف).
أرأيت أخي القارئ إلى هذه العاقبة الوخيمة التي مُنى بها ذلك الذي نسى أصله، وخان عهد الله ؟ كان كل مطالبه الدنيا وما فيها من زخارف خداعة، وبوارق لامعة ؟... أقبلت عليه فنسى ربه! وبعد أن كان «حمامة» تأوي إلى بيت الله فتأنس بذكره، قُصَّت أجنحتها، فتمرغت في أوحال الدنيا.
الشيخ الدكتور يوسف جمعة سلامة
خطيـب المسـجد الأقصـى المبـارك

التصور الإسلامي للأمانة المهنية

إذا كان الإسلام قد عول على الأهلية والكفاءة كأساس في تولي المهن والوظائف والمناصب، فإنه اهتم كذلك بإضفاء بعد أخلاقي عليها من خلال اشتراطه الأمانة فيمن يتولى المهنة والوظيفة. وما شقيت البشرية في قديمها وحديثها إلا بابتلائها بأناس لا أمانة ولا خلاق لهم. فكم من كفاءات عهدت إليهم البشرية بإسعادها، فما كان منهم إلا أن جلبوا الخراب والدمار عليها، وما ذلك إلا لأنهم لم يكونوا أمناء على ما عهدت به إليهم، ألم يأتك نبأ عن قوم اتخذوا من المعامل معبداً لهم ليذهبوا الشقاء عن أجساد قد هدها المرض، فإذا بهم يوغلون في إرضاء غرورهم العلمي، فيخرجون لنا بمسوخ مشوهة تحت مسمى الاستنساخ دون مراعاة لأخلاقيات العمل فيه..... فهؤلاء وأمثالهم كفاءات، غابت الأخلاق المهنية عن قلوبهم وعقولهم فلم يبالوا بنتيجة عمل به يشقى غيرهم، المهم أن يذكرهم التاريخ في أولياته دون اكتراث في أي جموع الأوليات يصنفون. من أجل هذا وغيره كان من الصفات التي اشترطها قانون الأخلاق الإسلامي في تولى المهن والوظائف صفة الأمانة، والتي أكد الإسلام عليها كمبدأ أخلاقي ثابت في كل الأخلاقيات المهنية، ولولاها لتحولت الكفاءات البشرية إلى شياطين ماكرة لا حدّ لشرها ولا منتهى لضررها. والأمانة ضد الخيانة، وتعرف بأنها «خلق ثابت في النفس يعف به الإنسان عما ليس له به حق، وإن تهيأت له ظروف العدوان عليه دون أن يكون عرضة للإدانة عند الناس، ويؤدى به ما عليه أو لديه من حق لغيره، وإن استطاع أن يهضمه دون أن يكون عرضة للإدانة عند الناس».
وعلى هذا، فإن الأمانة من وجهة نظر الإسلام واسعة الدلالة، إذ ترمز إلى معان شتى، مناطها جميعاً شعور الإنسان بتبعته ومسؤوليته في كل أمر يوكل إليه، وبذله قصارى الجهد في الإتيان به على نحو به يكون مسؤولاً أمام الله والناس أجمعين. وهذا بعض مما يفهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه عبدالله بن عمر «كلكم راع وكلكم وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهى مسؤولة عن رعيته، والخادم في مال سيده راع وهو مسئول عن رعيته، وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».
وبهذا تكون الأمانة- كما قيل- هي الفريضة التي يتواصى المسلمون برعايتها، ويستعينون بالله على حفظها، حتى أنه عندما يكون أحد على أهبة السفر يقول له أخوه «استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك» ولا غرو، فقد جعلها النبي صلى الله عليه وسلم قرينة للإيمان يذهب بهاءه بذهابها ويخبو ضياءه بفقدها، فعن أنس رضي الله تعالى عنه قال: «ما خطبنا رسول الله إلا قال: لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له». وقد أكد الإسلام عليها كخلق يجب توفره في الممتهنين ومعيار يكون اختيارهم في الوظائف على أساسه. يقول سبحانه وتعالى فيما حكى عن ابنة شعيب عليه السلام «إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأمِينُ» القصص (26). ويقول سبحانه في أساس تولى يوسف عليه السلام المسئولية الإدارية «اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ» يوسف ( 55).
وفى تعارف الجن على هذه الصفة في إسناد المهام إليهم يقول سبحانه «أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ» النمل (39). ولأهمية الأمانة في البنية الصحيحة للمجتمع تكرر ذكرها في القرآن الكريم في معرض مناسبات متعددة، ففي مجال الحقوق المالية وغيرها نجد قول الحق سبحانه «وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ» البقرة (283).
ويأتي الأمر بصورة جازمة بتأدية الأمانات إلى أهلها في كل ما يقع تحت سلطة الإنسان وتصرفه، فيقول الحق سبحانه وتعالى»إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا» النساء (58). وفى آية شاملة لجميع أنواع الأمانات يقول سبحانه وتعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ» الأنفال (27). وجعل الله سبحانه الأمانة عنواناً لسفيره إلى أنبيائه ورسله في مهنته، فقال سبحانه «نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ» الشعراء (193). فلولا هذه الصفة ما كانت الثقة فيما يبلَغ عن الله تعالى من وحى، ولما اصطفاه الله لهذه الوظيفة- وظيفة حمل الرسالة- كذلك جعل الله سبحانه وتعالى من الأمانة سمة لأنبياءه وسائر رسله فيما يبلغون من وحي عن الله تعالى، فعندما يقص الحق سبحانه وتعالى علينا ما كان من قوم نوح، وهود، وصالح، ولوط وشعيب عليهم السلام في سورة «الشعراء» يخبرنا بأن كل رسول من هؤلاء عليهم السلام قال لقومه: «إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ».
ولقب خاتمهم صلى الله عليه وسلم «بالصادق الأمين». وفى شأن المفلحين الصالحين من جماعة المؤمنين، يقول سبحانه» وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ» المؤمنون(8).
وهذا نص عام في كل ما يجب على الإنسان أداؤه من حقوق استؤمن عليها أوألزم بأدائها، سواء فيما يتعلق بالله تعالى أو بخلقه. أما بالنسبة للسنة النبوية، فإننا نجد كثيراً من النصوص المؤكدة عليها والمنفرة من نقيضها»الخيانة»، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه الإمام أحمد والحاكم» اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم» وقوله صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو داود وبن حبان وغيرهما» أول ما تفقدون من دينكم الأمانة» واعتبر النبي صلى الله عليه وسلم كل من يخالف الأمانة في عمله أو مهنته قد تولى غير سبيل المسلمين، فقال صلى الله عليه وسلم» من غشنا فليس منا».
كذلك جعل الإسلام للأمانة صورا متعددة نخص منها بالذكر أمانات «الودائع» وهى اسم لكل ما استحفظ الإنسان عليه من أشياء مادية كانت، أو معنوية وتتطرق كلمة الودائع كصورة من صور الودائع إلى العديد والعديد من المهن. فالأمور المالية بشتى صورها ودائع، والأجراء قد أودعوا ما استودع إليهم من خلال أرباب الأموال، والمعلم قد أودعه التلاميذ ومن يلونهم عقولهم فهي ودائع عنده، والخطيب في المسجد قد استودعه جمهور المستمعين إليه عقولهم فهو مسؤول عنها، ومسؤول أن يبصرهم بواقعهم وما يقيل عثرتهم فيه ، والطبيب قد استودعه المرضى أجسادهم وأرواحهم فهو مسئول عنها، والمهندس قد استودعه الناس حياتهم فهو مسئول عما يشيد لهم. وقس على ذلك حتى تصل إلى كل فرد في المجتمع والأمة.يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الطبراني وابن حبان وغيرهما عن شداد بن أوس رضى الله عنه «أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك» ويقول صلى الله عليه وسلم «لن تزال أمتي على الفطرة، ما لم يتخذوا الأمانة مغنماً، والزكاة مغرماً». ويقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن مسعود وذكره ابن رجب في جامع العلوم والحكم» القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها إلا الأمانة .. قال: يؤتى بالعبد يوم القيامة وإن قتل في سبيل الله فيقال أد أمانتك فيقول أي رب كيف وقد ذهبت الدنيا، فيقال انطلقوا به إلى الهاوية. وتمثل له أمانته كهيئتها يوم دفعت إليه فيراها فيعرفها فيهوى في إثرها حتى يدركها، فيحملها على منكبيه، حتى إذا ظن أنه خارج نزلت عن منكبه، فهو يهوى في إثرها أبد الآبدين، ثم قال الصلاة أمانة، والوضوء أمانة، والوزن أمانة، والكيل أمانة، وأشياء عددها وأشد ذلك الودائع». قال راوي الحديث فأتيت البراء بن عازب فقلت: ألا ترى إلى ما قال ابن مسعود، قال كذا، قال البراء: صدق أما سمعت الله تعالى يقول «إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ» النساء (58).
وخص النبي صلى الله عليه وسلم الودائع المالية بالذكر ، كصورة من صور الأمانة نظراً لشدة فتنة المال التي يسيل لها لعاب كثير من الناس، والتي لأجلها يفرطون في أثمن القيم والأخلاقيات. لذلك حرص صلى الله عليه وسلم أن يستخلف عند الهجرة ابن عمه على بن أبي طالب رضى الله عنه ليسلم المشركين ما استحفظوه من ودائع عنده، مع أنهم كانوا بعض الأمة التي استفزته من أحب البلاد إليه، واضطرته إلى ترك وطنه في سبيل عقيدته، بيد أن الشريف لا ينحنى أمام الصغار ولا تفت في عضده التوافه، بهذا كانت الأمانة في دين الله ذروة وسناما لا يصل إليه إلا المتقون، الذين حبسوا أنفسهم عما حرم الله موقنين أن الأمانة في مجال الأعمال المهنية وغيرها هي للمسلم سمتا وعنوانا، واضعين نصب أعينهم أنها فضيلة عظمى لا يقدر على حملها والوفاء بحقها إلا عظماء الرجال الذين طاولوا بأنفسهم شم الرواسي من الجبال، فجسدوا بذلك قول الحق سبحانه وتعالى (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا) الأحزاب 72.
د. محمد عبد الرحيم البيومي
كلية الشريعة والقانون - جامعة الإمارات

الإسلام يولي الشباب اهتمامه ويضع منهجاً لتوظيف قدراته

محمد عبدالخالق
أكد علماء الدين أن الإسلام أولى عناية بالغة بالشباب وعلى أكتافهم قامت ونهضت الدولة الإسلامية،‏ وأن الشباب هم طاقة الأمة الحيوية المتجددة وثروتها الحقيقية التي من خلالها تستطيع تجاوز المراحل الحرجة التي تمر بها،‏ وهو ما يتطلب العناية بالشباب والأخذ بأيديهم والاستماع إليهم وصقل مواهبهم واكتشاف قدراتهم وتوظيف هذه الطاقات‏، في خدمة أوطانهم.
(القاهرة) - أوضح علماء الدين أن الأمة الإسلامية يمثل الشباب فيها ما بين ‏55 ‏و‏60 %، وأنها أمة الشباب المتجدد،‏ عكس الأمم الأخرى التي يمثل كبار السن فيها الشريحة الأكبر،‏ وهو ما يتطلب النظر إليهم علمياً وعملياً وثقافياً وفكرياً وفتح المجال أمامهم لبناء مستقبل الأمة.
عماد الأمم

وحول مكانة الشباب في الإسلام يقول الدكتور مبروك عطية ـ الأستاذ بجامعة الأزهر‏ ـ‏ الشباب عماد الأمم،‏ وعلى أكتافهم تنهض الشعوب،‏ وعلى عاتقهم تقع المسؤولية الكبرى للنهوض بالمجتمع،‏ وقد أولى الإسلام الشباب عناية خاصة، ولذلك فإننا نجد النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ «أوصيكم بالشباب خيراً،‏ فإنهم أرق أفئدة،‏ لقد بعثني الله بالحنيفية السمحة فحالفني الشباب،‏ وخالفني الشيوخ‏ « والذين كانوا حول النبي هم الشباب،‏ من أمثال معاذ بن جبل الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم «أعلم أمتي بالحلال والحرام» وكان قبل العشرين،‏ ومنهم زيد بن ثابت،‏ وكان من كتاب الوحي وهو ابن سبع عشرة سنة،‏ وأمره النبي أن يتعلم العبرية فتعلمها في خمسة عشر يوماً،‏ ومنهم الصحابي الجليل أبو سعيد الخدري،‏ الذي جاء عارضاً نفسه على يد أبيه للجهاد مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع عشرة سنة،‏ ومنهم عبد الله بن عمرو وجابر بن عبد الله، وعشرات آخرون كانوا قادة وسلمت إليهم قيادة الجيش الإسلامي مثل أسامة بن زيد وكان ابن ثماني عشرة سنة،‏ وكما اعترض بعض الناس على صغر سنه بعد انتقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى ونصح بعضهم أبا بكر خليفته بأن يعزله قال «أيوليه رسول الله ويعزله أبو بكر» ومشى الخليفة الكبير في السن على قدميه وأسامة راكب فرسه،‏ فقال له بأدب جم «إما أن تركب وإما أن أنزل»،‏ فقال أبو بكر «والله لن أركب ولن تنزل ومالي لا أغبر قدمي في سبيل الله ساعة» والعلماء والفقهاء يحللون موقف أبي بكر هذا بأنه أراد أن يقنع الناس بطريقة عملية بأن أسامة هو القائد ولا اعتراض عليه‏.‏
رأي الشباب
وكان صلى الله عليه وسلم يشاورهم ويسمع منهم، ففي يوم أحد لما جمعت قريش جموعها،‏ وجيشت جيوشها،‏ وخرجت في ثلاثة آلاف مقاتل متوجهين إلى المدينة ليثأروا لشرفهم الذي مرغ يوم بدر،‏ جمع النبي أصحابه،‏ وعرض عليهم الموقف،‏ فرأى الشيوخ البقاء، بالمدينة على أن تدور رحى المعركة في شوارعها ودروبها،‏ وبذلك يستطيع الصبيان والنساء أن يساهموا في المعركة،‏ وكان رأي الشباب أن يخرجوا لمناجزة القوم،‏ وقالوا لرسول الله‏‏ «اخرج بنا إلى أعدائنا لا يرون أنا جبنا عنهم وضعفنا،‏ والله لا نطمع العرب في أن تدخل علينا منازلنا»‏ ونزل رسول الله على رأي الشباب،‏ وانسحب عبدالله بن أبي من جيش النبي متعللاً بنزول الرسول على رأي الشباب،‏ ورجع وهو يتمتم قائلاً‏:‏ أيعصيني ويطيع الولدان؟‏! وفي هذا اليوم المشهود ـ يوم أحد ـ وبعد أن أكد للشباب ذاته في الرأي،‏ أكد له أيضاً ذاته بالمشاركة الفعلية في ميدان القتال،‏ فسمح للبراعم المتفتحة من الشباب المؤمن أن تشارك في المعركة،‏ فأجاز سمرة بن جندب ورافع بن خديج وهما في الخامسة عشرة،‏ وكان قد ردهما لصغر سنهما،‏ فقال الصحابة‏:‏ يا رسول الله،‏ إن رافعاً رام يجيد الرماية فأجازه،‏ فلما أجازه قالوا له‏:‏ يا رسول الله،‏ إن سمرة يصرع رافعاً فأجازه‏.‏
مشاركة بالرأي والفعل
ويضيف د. مبروك عطية: وفي يوم الخندق أجاز رسول الله للقتال أسامة بن زيد،‏ وعبد الله بن عمر بن الخطاب،‏ وزيد بن ثابت،‏ والبراء بن عازب،‏ وعمرو بن حزم،‏ وكل هؤلاء لم يجاوزوا الخامسة عشرة‏، فقد وجه النبي جيشاً إلى بلاد الشام بقيادة الشاب المسلم أسامة بن زيد وهو في الثامنة عشرة من عمره،‏ وهذا الجيش يضم بين جنوده كبار الصحابة من أمثال أبي بكر وعمر وأبي عبيدة بن الجراح وسعد بن أبي وقاص‏، وكان عمر حتى بعد أن ولي الخلافة إذا رأى أسامة قال له‏:‏ السلام عليك أيها الأمير،‏ فيقول أسامة‏: ‏غفر الله لك يا أمير المؤمنين،‏ تقول لي هذا؟ فيقول عمر‏:‏ لا أزال أدعوك ما عشت الأمير،‏ مات رسول الله وأنت عليَّ أمير‏.‏
وهكذا نجد أن رسول الله يلقي على مسامع الأمة وأبصارها درساً عملياً في أن الشباب المسلم لابد أن تتحقق له ذاته،‏ ويفسح له المجال ليعبر عن نفسه من خلال أخطر الأعمال وأجلها،‏ ولقد وعى خلفاء رسول الله الدرس فكرموا الشباب،‏ واحترموا فكرهم،‏ وأشركوهم بالرأي والفعل في أعظم الأمور وأخطرها.‏
وقال إن الفتوة تعني القوة،‏ والشباب سن القوة،‏ وإن لم تستثمر هذه القوة في الخير فإن ألف يد من الشر تمتد إليها،‏ وعلى الأمة والحكماء والشيوخ وعلماء الدين والتربية والفلسفة والاجتماع أن يتوجهوا بجميع طاقاتهم إلى بناء الشباب،‏ بناء صحيحاً فكرياً ووجدانياً حتى يقوموا بمهامهم العضال في بناء الأمة،‏ والأخذ بيدهم نحو صالح الأمة الإسلامية، وما يحقق الخير للأوطان، فما ربى النبي شباب الأمة في صدر الإسلام إلا على الثقة والاطمئنان فقاموا خير قيام بما كلفهم به من واجبات فبنوا الدنيا وأقاموا الدين‏.‏
منهج محدد المعالم
ويشرح الدكتور مبروك عطية منهج الإسلام في تربية الشباب قائلاً: للإسلام منهج محدد المعالم في تربية الشباب،‏ يتمثل في التنشئة على الدين،‏ وفيها ما ورد في الحديث الصحيح عن السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله ومنهم شاب نشأ في عبادة الله،‏ والاهتمام بالأبدان والرياضة وتقويتها،‏ والدليل على ذلك دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إلى تعلم السباحة والرماية وركوب الخيل والتسابق بها وبالنوق،‏ وكانت ناقته صلى الله عليه وسلم يركبها الشباب ويدخلون بها السباق،‏ وثالث هذا المنهج دعوة الشباب إلى العفة لحديث: «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة‏ فليتزوج...» ورابعاً تقديم رأيهم على رأي غيرهم إذا كان موافقاً لحال الأمة،‏ وأن يكون للشباب مثل أعلى من الشيوخ في خبرته وعلمه وحكمته بحيث يكون مثالاً يحتذى به عندهم،‏ فالشباب المسلم يعلم أن الكبير إذا كان منصفاً معبراً عن رأيه قدم الكبير وظل خلفه درعاً يحميه‏.‏
لذلك ليس المهم أن نعمل ضمن إطار الأماني والمشتهيات،‏ بل المهم،‏ أن نعمل ضمن إطار الممكن والإمكان وأن ندرس المشكلة التي تعترضنا ونعمل على حلها بخطوات متدرجة،‏ حتى نصل في النتيجة إلى المطلوبة،‏ وعلينا أن نساعد الجيل الصاعد على تفهم التدرج في بناء الإسلام،‏ وعلينا أن نعد الجيل الصاعد للعمل على بناء المجتمع الإسلامي،‏ بل على تجديد ذلك البناء،‏ وبهذا المخطط النبوي،‏ وبهذه الإرشادات السماوية،‏ نستطيع أن نسمو بالشباب، العنصر الفعال في المجتمع إلى العمل على تحقيق الخيرية لهذه الأمة التي أشار إليها قوله‏‏ «خير أمتي أولها وآخرها»‏ ولابد للوصول إلى هذه الخيرية من حسن استعمال جميع الوسائل الإعلامية والدعائية المعاصرة،‏ لتبليغ الدعوة من دعوة فردية وجماعية،‏ بالقول والكتابة والقدوة،‏ دعوة بالإذاعة والتلفزة والمحطات الفضائية‏.‏ وأمتنا في أشد الحاجة اليوم إلى أن تتعرف إلى الشباب ودوره وتوجيهه نحو بناء مستقبل الأوطان الإسلامية، ووضع البرامج التي من شأنها توظيف طاقات الشباب توظيفاً جيداً في خدمة الأمة والنهوض بها.
تولي المواقع القيادية
ووجه الشيخ محمود عاشور ـ عضو مجمع البحوث الإسلامية ووكيل الأزهر الأسبق ـ رسالة عاجلة إلى الشباب المسلم في كل مكان، طالبهم فيها بالتركيز على أوطانهم ومكانتها ومنزلتها بين الأمم، قائلاً: لا ينبغي لمسلم أياً كان أن يحارب أو يقتل مسلماً تحت أي بند أو سبب ولكن يجب أن نكون إخوة متحابين. كما طالب كل مؤسسات الدول الإسلامية بالاهتمام بالشباب وتعليمهم وتربيتهم وتوفير فرص العمل وتولي المواقع القيادية،‏ وأن تضع الدولة الشباب نصب أعينها خلال المرحلة المقبلة‏.‏
ويشير الدكتور محمد الشحات الجندي ـ الأمين العام للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ـ إلى أن الأمة تواجه موجات من الخلل في التفكير لدى البعض، خاصة من الشباب، نتيجة الجهل بالدين الإسلامي، فنجد البعض بدافع الحماس والتضليل الفكري والفهم المغلوط لحقائق الإسلام يلجأ إلى تصرفات تضر ببني وطنه أو أمته أو بأحد الأبرياء ويسقطهم ضحايا بحجة أن هذا عمل إسلامي ـ والإسلام منه بريء ـ ولا شك أن هذا الخلل أو الاضطراب في الفكر يتطلب أن يقوم العلماء بواجبهم نحو إصلاح هذا التفكير المغلوط لدى بعض أفراد الأمة واستبداله بأفكار صحيحة عن رسالة الإسلام في الكون والحياة‏. وناشد الجندي العلماء أن يتحملوا المسؤولية الملقاة على عاتقهم في توجيه الشباب وتوعيتهم،‏ ومحاربة الفتن وحماية المجتمع من هذا الخطر الذي يهدد الأمة بأكملها،‏ وأن يتعاملوا مع الشباب بفكر خلاق ينبع من أصالة الإسلام في بناء الشخصية وتربية وجدان المسلم على الانتماء لحب الدين والوطن وقبول الآخر والقسط في التعامل معه‏.‏
تغليب المصلحة العامة
ويقول الدكتور رأفت عثمان ـ‏ عضو مجمع البحوث الإسلامية‏ وعميد كلية الشريعة والقانون السابق ـ إن نصوص الشريعة الإسلامية تولي عناية بالغة بالشباب،‏ والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته والإمام الذي على الناس راع ومسؤول عن رعيته،‏ والرجل راع في بيته ومسؤول عن رعيته،‏ ومسؤولية تربية الأولاد تقع على الأسرة منذ الصغر،‏ والشباب هم حصيلة هذه التوجيهات الأسرية،‏ فإذا أحسن التوجيه كان ذلك خيراً للمجتمع بل للفرد ذاته وأسرته. وحذر الدكتور رأفت عثمان شباب الأمة الإسلامية من بروز تيارات ودعوات مغرضة لبذر وغرس ونشر الاتهامات والخلافات والصراعات، مؤكداً أن الأمة الإسلامية باتت في أمس الحاجة إلى إحسان الظن وإعلاء شيم العفو والصفح ومراجعة النفس، وتغليب المصلحة العامة على الخاصة‏، وتلاقي المقاصد وإن اختلفت الوسائل‏، وإعلاء فقه الأولويات‏، أو فقه المصالح‏ والمقاصد‏، لدرء المفاسد التي تضر بالأوطان.
استغلال طاقات الشباب
يطالب الدكتور أحمد عمر هاشم ـ عضو مجمع البحوث الإسلامية ورئيس جامعة الأزهر الأسبق ـ بالتركيز على الشباب خلال المرحلة المقبلة ويقول: يجب أن تستغل تلك الطاقات، ومن الواجب الآن على كل مؤسسات الدولة أن تعنى بهذا الشباب،‏ وأن تكون هناك أدوار للدعاة ووسائل الإعلام والصفحات الدينية‏ في توعيتهم بالحفاظ على أوطانهم.

الخميس، 10 مارس 2011

أهل الذمة: قراءة بين النصوص الشرعية والواقع

اللباس فى الاسلام

فقه النوازل

لك الله ياقلب

هذا ديننا

30 فكرة دعوية عبر الانترنت

أوقف وقتا لله

ضوابط الغضب لمحارم الله

جميل الدلالة في مشي النبي من حديث هند بن أبي هالة

هل انتشر الإسلام بحد السيف ؟!

من درر السلف (1)

وماذا بعد..؟

تـمَّ.. !

كلمتان ... فحسب

رسالة لعموم اليهود والنصارى

إذا صلح الرأس صلح الجسد

صفة الرحمن

التذكير بفضل المشي إلى أماكن العبادة

العدل في القول..تأسيس لفقه المعاملة زمن الثورة

بيان عاجل بشأن الأحداث الأخيرة بين المسلمين والنصارى

بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ...
أما بعد ...
فالأحبة في الله تعالى
أسأل الله تعالى أن يجنبنا وإياكم الفتن ما ظهرمنها وما بطن وأن يحفظ علينا
نعمة الأمن والأمان ، وأن يرزقنا الهداية والسداد والرشاد
أحبتنا في الله تعالى
 لعلكم قد بلغكم حجم التوتر الطائفي في اليومين السابقين ، وما ترتب عليه من
أحداث مؤسفة تهدد البلاد والعباد ، وتنذر بنذر حرب أهلية على غرار التجربة
اللبنانية ، مما يعصف بكل ما تمَّ إنجازه في الآونة الأخيرة
ومن المعلوم لكل عاقل أن مصر بلد مستهدف ، وأن دورها الريادي في العالم
الإسلامي يجعلها محط مكايد المتربصين ، وبلادنا تحفها مخاطر عديدة ، فالكيان
الصهيوني من الشرق ، والآن ليبيا قد تنقسم ، وقد تحتل أمريكيا ، والسودان قد تم
تقسيمه بمكيدة كيدت بليلٍ ، وملف مياه النيل يعبث به في ظل هذه الأحداث .
*[ أرجو قراءة هذا المقال للاستفادة : **
http://www.google.com/url?sa=D&q=http://www.islamway.net/%3Fiw_s%3DArticle%26iw_a%3Dview%26article_id%3D6749*<http://www.google.com/url?sa=D&q=http://www.islamway.net/%3Fiw_s%3DArticle%26iw_a%3Dview%26article_id%3D6749>
* ]*
ومن الداخل جيش من الطابور الخامس ، من الخونة والعملاء الذين يتربصون بنا
الدوائر ، ونادرًا لمن جرَّب الخيانة أن يُأمن ، وهذا كله نذير لكل عاقل لما
يبدو في الأفق من لعب بالنار.
فيا أيها العقلاء
فوتوا الفرصة على كل خائن أو عميل ، على كل عدو متربص ، فإنهم " يبغونكم الفتنة
" فإياكم أن تكونوا " سماعين لهم " ولذلك أطالب شباب المسلمين جميعا بأن يقفوا
سدًا منيعًا ضد حملات الإثارة الطائفية
بالله يا شباب
 لا تسمعوا الآن لدعوات التظاهرات المليونية ، وفتح ملفات "كاميليا وأخواتها "
، ليس هذا وقته ، بالله عليكم ، ولا تقولوا : هذا خذلان وتخذيل ،فوالله لا نخاف
إلا الله تعالى، وهل تظنون بي أن أخون الله ورسوله لأي شيء ؟
كل ما أخشاه أن ننهى عن منكر فنقع في منكر أشد ، وهنا النهي - والله - حرام
 أنا أؤيد دعوات مشايخنا برفض هذه التظاهرات ، وأحذر من نشرها ، وأعتبر من يروج
لها ممن يثير الفتنة وهو لا يدري
وعلينا التنبيه أن حقوق أخواتنا لن تضيع ، ولكن بالعقل والحكمة وموازنة المصالح
والمفاسد
 هل رأيتم صنيع النبي صلى الله عليه وسلم لما قتلت سمية رضي الله عنها بمكة
معذبة على أيدي المشركين ؟
 وهل رأيتم صنيعه يوم كشف عورة مسلمة على أيدي خبيث من يهود بني قينقاع ؟
فأي الوضعين ينطبق علينا ؟
بالله لا تستفزكم تلك الأمور حتى لا يتحقق المشروع الأمريكي في تقسيم مصر ؟
 خذوا هذا الخبر : أكدالكاتب الصحافي البريطاني روبرت فيسك -مراسل صحيفة
الاندبندنت في منطقة الشرق الاوسط- ان الغرب يحاول رسم خرائط كراهية او فتنة
طائفية في الشرق الاوسط حتى يزرع الخلافات والانقسامات بين سكانها, وانه نجح في
ذلك داخل العراق ولبنان ومصر ايضا.. فيسك -في محاضرة في المركز الثقافي
البريطاني في القاهرة- انني منذ حوالي 20 سنة شاهدت خريطة لمصر تقسمها الى قرى
مسيحية في الصعيد واخرى مسلمة في الدلتا ملونة بالاخضر والازرق كما كان يفعل في
بلفاست عندما كانت المناطق البروتستانتية تلون بالبرتقالي, والكاثوليكية
بالاخضر, وكنا نقول اننا اذا مزجناهم سنحصل على »كوكاكولا«.. والعرب يساعدوننا
في ذلك لاسباب مختلفة, واتذكر هنا عدد مجلة التايم الاخير حيث وضعت على الغلاف
صورة لاثنين من المسلمين وكتب تحت الصورة يقول «السنة والشيعة لماذا يكرهون
بعضهم البعض» هذا ما يفعله الغرب باستمرار!!
بالله كونوا حكماء راشدين ، وأتموا عملا عظيما كان مع هذه الثورة ، يوم حميتم
بأنفسكم الكنائس
أحبتي..
لكل حادث حديث ، ولكل مقال مقام
فإياكم والفتنة التي تأخذ بالأخضر واليابس ، واصبروا حتى حين
وإن شاء الله تعالى نحن بصدد بيان لعلماء ودعاة مصر حول هذه الأحداث
وأرجو سماع هذه المحاضرة للتذكرة :
 http://www.google.com/url?sa=D&q=http://www.manhag.net/droos/details.php%3Ffile%3D584
وكتبه
هاني حلمي

بيان العلماء والدعاة في أحداث مصر وتونس

بيان العلماء والدعاة في أحداث مصر وتونس17/3/1432هـ

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنعم علينا بنعمة الإسلام، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للأنام نبينا محمد وعلى آله وصحبه أهل الفضل والإنعام.

أما بعد.

فقد رأى العالم كيف سقط طاغوت مصر الذي بدل الشريعة، وأذل شعبه، وتسبب في جعله من أفقر شعوب الأرض، وسخر أجهزة الدولة لخدمة وحماية شخصه، وحول أمن الدولة لإرهاب الشعب، وأعان اليهود على المسلمين في غزة بغلق معبر رفح، وملاحقة الأنفاق ودفنها، وبناء الجدار الفولاذي بوصاية كاملة من المخابرات اليهودية والأمريكية، وأشد منه ولاءً لليهود وعَداءً للإسلام والمسلمين طاغوتُ تونس، الذي خنق الشعب التونسي المسلم، ونهب أمواله، وصادر حقوقه، وسامه سوء العذاب، وفتن المسلمين عن دينهم، وحارب مظاهر الإسلام، وفتح أبواب الفاحشة والفساد والمجون، ومنع الحجاب، وأقام دور البغاء بإشراف رسمي مباشر من وزارة الداخلية، فأحل الحرام، وحرم الحلال، وفعل ما لم تفعله دول الكفر، كل ذلك سعياً منه في إخراج جيل تونسي ممسوخ من الإسلام، وهذا العمل الذي تبناه طاغوت تونس لهـو أشد فتكـاً بالمجتمع التونسي من القتل بالسلاح؛ كما قال الله تعـالى:"وَالْفِتْنَـةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْـلِ" (البقرة 191)، وقال تعالى:"وَالْفِتْنَـةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ" (البقرة 217).

أما السجون والتعذيب والفساد المالي والإداري والسياسي في تونس ومصر فباب لو فتحناه لم نستطع إغلاقه.

ثم هرب الطاغيتان، على أشد حال من الذل، وهذه سنة الله تعالى في الظالمين، قال الله تعالى:" ..إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ" (السجدة22)، وقال تعالى:" وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ.." (إبراهيم42).

وسقوطهما ليس حدثاً مختصاً بأهل مصر وتونس بل هو نعمة كبرى من الله تعالى على المسلمين جميعاً، فالحمد لله حمداً كثيراً.

وتأسيساً على ما سبق، وانطلاقاً مما أوجبه الله تعالى على أهل العلم من بيان الحق والنصح للخلق، فإننا نذكر أنفسنا وإخواننا المسلمين بالآتي:


أولاً:
وجوب شكر نعمة الله تعالى علينا، وذلك بالعودة إلى الإيمان والعمل الصالح، قال الله تعالى:" الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ" (الحج41)، وقال تعالى:" فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ" (يونس98)، والعودة إلى دين الله تعالى وتحكيم شرعه ليس مختصاً بالجانب السياسي فقط بل يعم جميع مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والصحية والقضائية والأمنية مع إقامة ذكر الله تعالى، وإظهار شعائره، والدعوة إلى الله تعالى، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فحكم الله تعالى فيه الخير والعدل والصلاح للعباد والبلاد، وهو الذي يحفظ للناس كرامتها وحريتها وحقوقها قال الله تعالى :"أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ" (المائدة50)، وقال تعالى :"إنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ" (يوسف40)، وقال تعالى:"وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ" (المائدة44)، وهذه وصيتنا لكل حكام الدول الإسلامية التي لم تحكم بالشريعة، وأن يتذكروا وقوفهم بين يدي الله تعالى.

ثانياً: لقد ذمت الشريعةُ الاستبدادَ بالرأي سواء أكان ذلك صادراً من حاكم أو وزير أو مدير، وأمَر الله تعالى بالشورى، وجعلها من أهم صفات المؤمنين، قال الله تعالى:" وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ"(الشورى38)، وقال تعالى:"وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ.." (آل عمران159) وليس الفرق بين الشورى الربانية، وبين الديمقراطية الوضعية في طريقة الانتخابات أو استطلاع الرأي العام، وإنما الفرق في المنطلق العقدي؛ فالديمقراطية الوضعية تجعل الحاكم في كل شيء هو الشعب؛ فيصوتون حتى على المحرمات في الإسلام كإقامة دور البغاء، والسماح بالشذوذ، والخمر، والربا، أو منع الأذان، والحجاب، ونحو ذلك.

أما الشورى في الإسلام فالحكم فيها لله وحده، فما أوجبه الشرع أو نهى عنه فلا يملك أحدٌ تغييره، وإنما البحث والتصويت في كل ما كان داخلاً في دائرة المباح في جميع مناحي الحياة.

ثالثاً: لقد أمر الله تعالى بالاجتماع ونهى عن التنازع والبغي، لكنه اشترط أن يكون الاجتماع على الكتاب والسنة، قال الله تعالى:" وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" (الأنفال46)، وقال تعالى:" وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ.." (103آل عمران)، وحبل الله هو القرآن الكريم.

فنوصي إخواننا وأحبتنا في مصر وتونس أن تجتمع كلمتهم على من يتبنى تحكيم الشريعة، أما الأحزاب المعاندة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ كالشيوعية والعلمانية، فإنه لا يجوز ترشيحها، ولا الانخراط فيها.

رابعاً: العودة إلى القرآن الكريم من خلال إنشاء حلقات تحفيظ القرآن الكريم وتعليمه، وإقامة الدورات والدروس العلمية، في العقيدة والتفسير والحديث والفقه، وإدخال العلوم الشرعية في مناهج التعليم، وإعادة الجامعات الإسلامية إلى عزها ومجدها.

خامساً: القيام بدعوة الرسل وهي دعوة الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له، وأن تكون عبادته بما شرع، والتحذير من الشرك، ومن مظاهره المنتشرة في كثير من البلاد العربية والإسلامية: شرك القبور، فمن صرف نوعاً من أنواع العبادة لغير الله؛ كالدعاء، أوالاستغاثة، أوالذبح لغير الله فقد أشرك، قال الله تعالى:"وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ.." (النحل36)، وقال تعالى:" وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً" (الجن18).

والتحذير من مظاهر الابتداع في الدين، فمن عبد الله بغير ما شرع فقد وقع في البدعة، قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه فهو رد" متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها.

سادساً: إقامة شعائر الإسلام وعلى رأسها عمود الإسلام "الصلاة" جماعة في المساجد؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا، ولقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم، ثم آمر رجلا يؤم الناس، ثم آخذ شعلا من نار، فأحرق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد" متفق عليه .

سابعاً: إلى أخواتنا المؤمنات في تونس على وجه الخصوص لقد أمركن الله تعالى بالجلباب، ونهاكن عنه ابن علي، وقد أزاحه الله تعالى عن تونس، فلا عذر للمؤمنة في تركه، وأنت من نساء المؤمنين اللاتي أمرهن الله تعالى في قوله:" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً" (الأحزاب59).

ثامناً: من سنة الله في الأمم والأفراد أنها إذا أصرت على معصية الله أخذها بذنوبها، ومن هذه الذنوب التي طغت: الظلم، والاستبداد، وعدم تحكيم الشريعة، وتمكين البطانة المفسدة، ونهب خيرات المسلمين، والفساد المالي، والإداري، والربا، والإعلام الماجن، وترك الصلاة، ومظاهر البدع المخالفة لعقيدة التوحيد، والسكوت عن المنكرات، فلنبادر جميعاً بالتوبة الصادقة, والإقبال على طاعة الرحمن قال الله تعالى :"فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ .." (العنكبوت 40)، وقال تعالى:" فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ" (الأنعام 44)، وقد يؤخر الله العقوبة ابتلاءً واستدراجاً قال الله تعالى:" سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (44) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ" (القلم45).

تاسعاً: الواجب محاكمة هؤلاء الطواغيت وأعوانهم في الظلم محاكمةً شرعية.

عاشراً: أن يكون القضاء الشرعي مستقلاً، ولا سلطان عليه إلا الكتاب والسنة، وعدم استثناء أحد من المثول أمام القضاء رئيساً كان أو إعلامياً، وسواء أكان الاستثناء بطريقة مباشرة أو ملتفة؛ كوضع أنظمة ولوائح مآلها إلى تقييد أو منع دعاوى الحسبة، أو وضع حصانة تقيد مقاضاة المسؤولين أو الإعلاميين، أو إرهاب المدعي ومحاصرته بطريقة غير مباشرة.

حادي عشر: قال الله تعالى :" فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ " (هود116)، وقال تعالى:" فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ" (الأعراف165)، فكانت النجاة لمن كان ينهى عن السوء والفساد، والمراد بالسوء والفساد هو ما اعتبره الشرع سوء وفساداً؛ من ترك الفرائض والواجبات وارتكاب الموبقات والمحرمات، فالواجب محاربة السوءِ والفسادِ بجميع أنواعه؛ الفسادِ المالي، والإداري، والقضائي، والإعلامي، والأمني، والخلقي، وغيرها وأن تضع الدولة جهازاً لمحاربة الفساد وهو الذي سماه الله تعالى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما في قول الله تعالى :" وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (آل عمران104)، وقال تعالى:" كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ .." (آل عمران110).

ثاني عشر: الحذر من استرضاءِ أعداء الإسلام، وتقديمِ التنازلات لهم، والانهزاميةِ النفسية أمامهم، قال الله تعالى:" وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ" (هود113)، وقال تعالى:"وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (74) إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً" (الإسراء75).

ثالث عشر: الأجهزة الأمنية إنما هي لحماية الناس، وحفظ حقوقهم وحرياتهم التي كفلها لهم الإسلام، لا أن تكون أداة للحاكم في ظلم الشعب، وإرهابه، وسلب حقوقه.

والخطاب هنا يتجه إلى جميع حكام الدول العربية والإسلامية، وننتظر منهم عاجلاً إيقاف عجلة الفساد، وأن لا يحول أحدٌ من الحجَّاب بينهم وبين القيام بواجبات الإمامة وحاجة الناس.

نسأل الله تعالى أن يحفظ تونس ومصر وجميع بلاد المسلمين بحفظه، وأن لا يكلنا إلى أنفسنا، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الموقعون:


1. العلامة: عبدالله بن محمد الغنيمان أستاذ العقيدة بالجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية سابقاً.
2. الشيخ: د.عبدالله بن حمود التويجري أستاذ الحديث وعلومه في السعودية.
3. الشيخ: د.عبدالمجيد بن عزيز الزنداني رئيس جامعة الإيمان باليمن.
4. الشيخ: سليمان عثمان أبو نارو أمير جماعة الاعتصام بالكتاب و السنة بالسودان.
5. الشيخ: داعي الإسلام بن سالم الشهال مؤسس التيار السلفي بلبنان.
6. الشيخ: عبد الآخر حماد الغنيمي داعية إسلامي بمصر.
7. الشيخ: د.عبدالعزيز بن محمد آل عبداللطيف أستاذ العقيدة المشارك في جامعة الإمام بالرياض.
8. الشيخ: عصام بن محمد بن إسحاق العباسي باحث شرعي في مملكة البحرين
9. الشيخ: د.محمد بن موسى العامر عضو هيئة علماء اليمن.
10. الشيخ: د.عبدالغني بن أحمد التميمي رئيس هيئة علماء فلسطين في الخارج.
11. الشيخ: أ.د.محمد بن تركي التركي أستاذ الحديث بجامعة الملك سعود بالرياض.
12. الشيخ: زهير بن مصطفى الشاويش مؤسس المكتب الإسلامي في بيروت.
13. الشيخ: بدر بن ناصر الشبيب الأمين العام للحركة السلفية بالكويت.
14. الشيخ: د.وجدي غنيم داعية إسلامي.
15. الشيخ: د.شوكت كرانسكي داعية إسلامي في كسوفا.
16. الشيخ: محمد بن عبد الله الحويط داعية إسلامي في ألمانيا.
17. الشيخ: د.عبد الله بن محمد الحاشدي أستاذ جامعي بجامعة الإيمان باليمن.
18. الشيخ: مرصاد موتشاى داعية إسلامي في جمهورية الجبل الأسود.
19. الشيخ: د.حامد بن حمد العلي أستاذ الحديث في الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة الكويت.
20. الشيخ: د.عبدالرحمن بن عمير النعيمي عضو هيئة التدريس بجامعة قطر.
21. الشيخ: أ.د.عبد العزيز مختار إبراهيم أستاذ الحديث وعلومه بجامعة تبوك.
22. الشيخ: د.علي بن سعيد الغامدي أستاذ الفقه بالمسجد النبوي والجامعة الإسلامية بالمدينة.
23. الشيخ: خالد بن أحمد زعرور مؤسس وقف إحياء السنة بلبنان.
24. الشيخ: د.وليد بن عثمان الرشودي عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود.
25. الشيخ: د.طارق بن محمد الطواري أستاذ الحديث في الدراسات العليا بكلية الشريعة بجامعة الكويت
26. الشيخ: ذياب بن سعد آل حمدان الغامدي باحث شرعي بالطايف.
27. الشيخ: د.عدنان محمد أمامة داعية إسلامي بلبنان.
28. الشيخ: د.محسن بن حسين العواجي عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
29. الشيخ: عبد الوهاب الحميقاني داعية إسلامي باليمن.
30. الشيخ: د.يوسف بن عبدالله الأحمد عضو هيئة التدريس في جامعة الإمام بالرياض.
31. الشيخ: حسن قاري الحسيني داعية إسلامي بالبحرين.
32. الشيخ: د.خالد بن عبدالله الشمراني أستاذ الفقه المشارك بجامعة أم القرى
33. الشيخ: د.محمد بن سليمان البراك عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
34. الشيخ: د.حمد بن إبراهيم الحيدري عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالرياض.
35. الشيخ: فهد بن سليمان القاضي داعية إسلامي بالسعودية.
36. الشيخ: عبد الله بن ناصر السليمان مفتش قضائي بالرياض.
37. الشيخ: د.محمد بن عبد الله الهبدان المشرف العام على مؤسسة نور الإسلام العالمية بالرياض.
38. الشيخ: د.عبدالرحمن بن جميل قصاص الأستاذ المشارك بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
39. الشيخ: سعد بن ناصر الغنام داعية إسلامي بالسعودية.
40. الشيخ: محمد الصادق مغلس قاضي في وزارة العدل وعضو هيئة علماء اليمن.
41. الشيخ: عبد الله بن علي الغامدي داعية إسلامي بالسعودية.
42. الشيخ: عارف بن أحمد الصبري عضو لجنة تقنين الشريعة في مجلس النواب باليمن.
43. الشيخ: إبراهيم بن محمد الحقيل داعية إسلامي بالسعودية.
44. الشيخ: د.مهران ماهر عثمان داعية إسلامي بالسودان.
45. الشيخ: عبدالمحسن بن محمد الأحمد داعية إسلامي بالسعودية.
46. الشيخ: د.محمد عبدالكريم رئيس قسم الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم بالسودان.
47. الشيخ: قاسم بن علي العصيمي داعية إسلامي باليمن.
48. الشيخ: د.عبد الرحيم بن صمايل السلمي أستاذ العقيدة بجامعة أم القرى بمكة الكرمة.
49. الشيخ: عبد الرحمن بن محمد الهرفي عضو الدعوة بوزارة الشؤون الإسلامية بالسعودية.
50. الشيخ: د.ناصر بن يحيى الحنيني المشرف العام على مركز الفكر المعاصر بالسعودية.
51. الشيخ: عادل بن حسن بن يوسف الحمد داعية إسلامي بالبحرين.
52. الشيخ: حمد بن عبدالله الجمعة باحث شرعي في الرياض.
53. الشيخ: د.عبدالله بن عمر الدميجي عميد كلية الدعوة وأصول الدين بجامعة أم القرى سابقاً
54. الشيخ: حسين بن محمد الحبشي باحث شرعي بالسعودية.
55. الشيخ: د.رياض بن محمد المسيميري أستاذ التفسير المشارك بجامعة الإمام بالرياض.
56. الشيخ: مراد بن أحمد القدسي عضو هيئة علماء اليمن وعضو رابطة علماء المسلمين.
57. الشيخ: د.ستر بن ثواب الجعيد رئيس قسم القضاء بجامعة أم القرى سابقاً بمكة المكرمة.
58. الشيخ: سلطان بن عثمان البصيري القاضي بالمدينة النبوية.
59. الشيخ: د.عبد الله بن عبد العزيز الزايدي أستاذ الثقافة الإسلامية بكلية الشريعة بالرياض.
60. الشيخ: د.إبراهيم بن علي الحذيفي عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
61. الشيخ: د.خالد بن محمد الماجد أستاذ الفقه في كلية الشريعة بجامعة الإمام بالرياض.
62. الشيخ: د.عبد الله بن ناصر الصبيح عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالرياض.
63. الشيخ: ناصر بن محمد الأحمد داعية إسلامي بالسعودية.
64. الشيخ: د.سليمان بن صالح الجربوع عضو رابطة الفقه الإسلامي بالسعودية.
65. الشيخ: بدر بن إبراهيم الراجحي القاضي بالمحكمة العامة بمكة المكرمة.
66. الشيخ: د.عبدالعزيز بن محمد الوهيبي المشرف العام على مجلة مؤتمر الأمة.
67. الشيخ: جمال بن إبراهيم الناجم داعية إسلامي بالسعودية.
68. الشيخ: محمد بن عبدالله الحصم داعية إسلامي بالكويت.
69. الشيخ: عبدالعزيز بن عبدالله الوهيبي داعية إسلامي بالسعودية.
70. الشيخ: محمد بن عبدالعزيز اللاحم أستاذ العقيدة بوزارة التربية والتعليم.
71. الشيخ: عبدالله بن علي الربع داعية إسلامي بالسعودية.
72. الشيخ: أحمد بن عبدالله الراجحي داعية إسلامي بالسعودية.
73. الشيخ: محمد بن علي عبد الله الغيلي عضو هيئة علماء اليمن.
74. الشيخ: د.عبدالرحمن بن محمد الفارس داعية إسلامي بالسعودية.
75. الشيخ: الشيخ: د.عبد الملك التاج رئيس قسم الأصول بجامعة الإيمان وعضو هيئة علماء اليمن.
76. مسفر بن عبدالله البواردي داعية إسلامي بالسعودية.
77. الشيخ: عبدالعزيز بن صالح العقل داعية إسلامي بالسعودية.
78. الشيخ: د.صالح بن عبدالله الهذلول عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم.
79. الشيخ: عبدالله بن عمر السحيباني داعية إسلامي بالسعودية.
80. الشيخ: د.عبدالرحمن بن صالح المزيني المشرف العام على موقع رياض الإسلام.
81. الشيخ: د.سعيد بن ناصر الغامدي أستاذ العقيدة المشارك بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة.
82. الشيخ: د.عيسى بن عواض العضياني مدير التوجيه والإرشاد بإسكان وزارة الدفاع بالمدينة النبوية.
83. الشيخ: محمد بن على الآنسي خطيب مسجد الشهداء وداعية إسلامي باليمن.
84. الشيخ: غازي جبر الرياشي عضو هيئة علماء اليمن.
85. الشيخ: د.محمد بن عبدالعزيز الخضيري أستاذ القرآن وعلومه المساعد بجامعة الملك سعود بالرياض.
86. الشيخ: عبدالمحسن بن مريسي الحارثي داعية إسلامي بالسعودية.
87. الشيخ: عبدالله بن فهد السويلم باحث شرعي بالسعودية.
88. الشيخ: د.محمد بشر القباطي داعية إسلامي باليمن.
89. الشيخ: د.سليمان بن محمد العثيم داعية إسلامي بالسعودية.
90. الشيخ: حسين بن عبدالرحمن الغامدي داعية إسلامي بالسعودية.

تاريخ صدور البيان: الأحد17 /3 /1432هـ

الرقابة الإلهية وأثرها في تهذيب الإنسان

زكية حسين

ينطوي الدِّين الإسلامي الحنيف على حقيقتين غيبيتين عظيمتين، تفتقدهما أي مدرسة أو نظرية لا دينية، وهما: الرقابة الإلهية والإعتقاد بالجزاء الأخروي. وهاتان الحقيقتان الكبيرتان، تشكِّلان الأساس الروحي والمعنوي لكل تمسِّك بالأخلاق والقيم النبيلة، وبدونهما تفرّغ القيم والسلوك الخُلقي من مضمونهما الجوهري، ويتحوّلان إلى مجرّد مفردات ميتة لا حيوية فيها ولا حركة.

ماذا نعني بالرقابة الإلهية؟

إنّها الشعور الحقيقي العميق برقابة الله سبحانه وتعالى لنا في السر والعلن. وهي حقيقة حضوره- عزّ وجلّ- الدائم في نفسية الإنسان، وأن هناك رقيباً أعلى، يعلم الأسرار والخفايا وما تضمه الصدور، عالم الغيب والشهادة، المطَّلع على السرائر والقلوب، الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء. يقول تعالى في كتابه الحكيم: "وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ" "الأنعام/ 59".

ولتجسيد الرقابة الإلهية بأبرع صورها، جاءت الآية القرآنية بالفقرة المقدّسة التالية: "وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ" "يونس/ 61".

إنّ الله إذن هو الرقيب الأعلى ومصدر الوجدان والضمير الإنساني... بل هو التفتيش الذاتي الذي يجعل كل حركات الإنسان وسكناته تحت دائرة الرقابة الربانية، فلا يخفى أمام الله منها شيء، وحينئذ فلا بدّ أن تعبِّر أفعال الإنسان وتصرفاته عن تقوى الله ومراعاة تعاليمه السماوية ومرضاته، ولا بد أن يتجنّب فعل السوء وارتكاب القبائح في مثل هذه الحال، التي يملأ قلبه فيها تقوى الله، وعلمه بإطلاع الخالق عليه سراً وعلانية.

لهذا والحق يُقال، كان المؤمنون الحقيقيون، أكثر الناس رقابة ذاتية لسلوكهم وممارساتهم، وهم في عملية مراجعة وحسابات مستمرة... وإذا أخطأوا تداركوا وتذكَّروا الرقيب جلّ جلاله، فتراجعوا عن الخطأ. يقول تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ" "الأعراف/ 201".

فهؤلاء المؤمنون المتّقون، لا يحتاجون إلى رقيب آدمي؛ لأنّهم ملتزمون سلفاً بكل ما يرضي الإله ولا يسخطه، وكل شيء في حياتهم، يأتي في النهاية، من تقوى الله وحبه السرمدي.

وحياة المؤمن أو المؤمنة، لا تتقسَّم إلى أجزاء، يخرج بعضها عن تقوى الله ورقابته، فهذه الرقابة تغطّي كل الحياة الإنسانية، فليس هناك حياة عامة تحكمها القوانين وحياة خاصة متمردة لا تحكمها القوانين، كما هو حاصل في البلدان الغربية المتهافتة. فالعالم الغربي مثلاً يعتبر الحياة الخاصة، حقاً مطلقاً للإنسان، يمارس فيها حرِّيته الكاملة ولو في الفساد والمحرّمات والموبقات ما دام ذلك لا يضايق أو يحدّ من حرِّية الآخرين.

أمّا في الإسلام فكل حياة الإنسان، محكومة بالمسؤولية والرقابة من الله، وهذا لا ينافي الحرِّية، لأنّ الحرِّية في ظل الشريعة الإسلامية هي حرِّية مسؤولة واعية، تتحقق ضمن نطاق الأخلاق والقيم النبيلة، وليس ضمن الفوضى والتخبّط الفكري والعملي.

بيد أنّ المؤمن يضع تقوى الله في حسابه عند كل تحرّك أو موقف، حتى في الأكل والشرب، بل وحتى عندما ينفرد مع نفسه في غرفة مغلقة، وهذا ما يجعله من أعظم الناس مسؤولية وإلتزاماً.. يقول جلّ شأنه: "لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" "المائدة/ 93".

القوانين الوضعية لا تحل مشكلة الرقابة

هذا الشعور الدائم بحضور الله، قوّة عظيمة في نفسية المؤمن تجعله دوماً على الطريق المستقيم، فلا يخضع لإغراءات الشيطان وأهواء النفس الأمّارة بالسوء. ويعترف الكثير من الغربيين بهذه الحقيقة الدامغة. وهي؛ أنّه ينبغي عدم الإستهانة بالإسلام لأنّه عقيدة ثابتة بقيت رغم الأعاصير العاتية، وذلك بسبب الرقابة التي لا تأتي من شخص على شخص، ولا من هيئة على هيئة، وإنما هي رقابة الإنسان لربه، ونضج الضمير الديني.. وهذا وحده قوة كامنة في الإسلام.

أمّا مزاعم الضمير ورقابة الشعب والقانون، والمصلحة المتبادلة التي تنادي بها المدراس التي تنكر وجود الله، فهي ليست بشيء ما لم تنزع إلى الإعتراف بالخالق سبحانه وتعالى، العالم بكل الخفايا، وتطيع أوامره ونواهيه، وتراقبه في كل لحظات حياتها.

فالشعب والقانون والمصلحة والحاكم وأجهزته، كل ذلك قاصر وعاجز وحده عن القيام بهذه المهمة، لأنّ هذه الأمور لا تطال إلا المظاهر التي تقع تحت سمع القانون وبصره، لكن لن تصل إلى أكثر الأعمال السرية؟

ثمّ ماذا عن النوايا؟ وماذا عن الخداع والغش والإحتيال والتلاعب؟ نحن نحتاج إلى رقابة مؤكدة.. رقابة على السرائر والقلوب والضمائر المتصلة بالله، وليس رقابة القلوب والضمائر المتصلة بالأهواء، والإنفعالات، والرغبات والأنانيات الضيقة!

إذن.. تقوى الله هي الأساس للأخلاق.. وكل أخلاق لا تقوم على تقوى الله والخوف منه، وخشيته في السر والعلن، محكومة بالإخفاق التام.

هاجس الجزاء الأخروي

يتميّز الدِّين الإسلامي بحقيقة ثانية، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالرقابة الإلهية، وهي الجزاء الأخروي والوقوف أمام الله يوم القيامة، والبعث بعد الموت، لإجراء الحساب الدقيق الشامل الذي لا يفوته شيء.

هذه الحقيقة تؤكد أن هناك ثواباً وعقاباً، وكتاباً لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، "فمَن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره، ومَن يعمل مثقال ذرّة شراً يره"... وإن ما نفعله هنا في حياتنا الدنيا، يسجّل في الكتاب الأبدي عند الله ليحاسب عليه الإنسان يوم القيامة.

والبعث هدفه تحديد مسؤولية الإنسان النهائية في أعماله التي ارتكبها ولم يلق جزاءه العادل في الدنيا، ذلك بالمثول أمام العدالة الإلهية المطلقة يوم القيامة التي لا يخفى عليها أمر. يقول المولى عزّ وجلّ في هذا الصدد: "وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ" "الأنبياء/ 47".

والآخرة تفرضها ضرورة العدل الإلهي، وقد شرَّع الله أنواعاً من الجزاء الدنيوي، ثواباً أو عقاباً، وترك الجزاء الشامل الدقيق إلى يوم الدِّين. والجزاء الأخروي يقوم على أساس الرقابة الدقيقة في الدنيا، لأن جزاءً بدون رقابة وإطلاع دقيق على الحدث والفعل، عمل ناقص، كما أنّ الرقابة بدون جزاء، عبث فارغ، يقول تعالى: "أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ" "المؤمنون/ 115".

وهكذا تقوم التربية الدينية على هذه الناحية المهمة من الحقائق الغيبية التي لا تترك للإنسان فرصة للتهرب من وجه العدالة ولو فرّ في متاهات الكون البعيدة.

هذه الحقيقة الدينية كان لها أعظم الأثر في تأريخ الشعوب على مرّ العصور، فقد توغلت في أعماق الإنسان المسلم، وجعلت الدين قوة مستمرة فاعلة، لا تنهار أمام أعتى الهجمات المضادة. بينما أن كل اتّجاه مادي في التربية والأخلاق، يلغي من حسابه، القيم الروحية والإيمان والحساب والبعث. إنّه نظرة محدودة إلى الكون والإنسان، نظرة قاصرة داخل حدود الحس والمادة التي تجعل من الإنسان كتلة من اللحم والعظم والدم والأعصاب، تأكل وتشرب وتعيش بضعة سنوات لتموت وتتحول إلى حفنة من التراب دون أن يكون لوجودها ومصيرها أي معنى. أمّا الدين فقد ملأ حياة الإنسان بالمعاني الكبيرة والرؤية العميقة، وأثرى وجوده، وجعل منه شخصية متكاملة، لا تستطيع أن تخنقها الأطر المادية الضيقة، ولا يقضي عليها الموت والفناء.

لماذا يعمد الإسلام إلى التحذير والإنذار ويضع جزاءين: دنيوياً متمثلاً بالقصاص والعقوبات المعروفة، وأخروياً بالعذاب أو النعيم؟ الجواب: إنّه بدون الجزاء لا يستقيم المجتمع ولا العدل، ولا يمكننا تعميم التربية والقيم الأخلاقية في أوساط الناس، وهكذا يشكل الجزاء عامل ردع فعالاً في العمل التوجيهي. وجزاء الله ليس ظلماً حتى يعتبر عملاً يسيء إلى التوجيه والإرشاد، وإنما هو نتيجة منطقية تترتب على عمل الشر، يقول تعالى: "هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ" "يونس/ 52". وورد في الحديث الشريف: "لا يخافن أحد إلا ذنبه".

فالخوف ناشئ من الذنب نفسه، لأنّ الذنب يستدعي جزءاً بحسب المنطق والعدل، والجزاء هو ضريبة الشر. أما الملتزمون المتقون فلا خوف عليهم، لقوله تعالى: "أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ" "يونس/ 62- 64".

نعم، إن انطلاق العمل بدافع الشكر لله أفضل من انطلاقه بدافع الخوف، لكن تقوى الله هي رعاية جانبه تعالى، وهي تستدعي الوقاية من الذنوب والسيِّئات والقصاص الأخروي.

وبالنسبة للأطفال فإنّ الرقابة الإلهية لا تعني بأي حال، إرهابهم وتخويفهم بالعذاب، وإنما هي اشعارهم بأنّ الله يراقبهم، وسيحرمون من رضاه وثوابه في المستقبل إذا هم فعلوا الشر. فيجب أن نخلق في نفوس الأطفال حماساً نفسياً لعمل الخير والإستقامة، بكل الأساليب التربوية السليمة، للوصول إلى المستوى الأعلى من التربية الروحية التي يندفع الإنسان من خلالها إلى عمل الخير بعفوية وسعادة ذاتية.